بعد مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، تشهد سوريا موجة عنف انتقامي متصاعدة، حيث تطارد مجموعات محلية "شبيحة" وعملاء النظام المخلوع. غياب العدالة الانتقالية يفتح الباب أمام الفوضى، ويزيد من شعور الإحباط والغضب بين أهالي ضحايا النظام السابق.
تصاعد العنف الانتقامي: حالات ومؤشرات
تشير التقارير إلى وقوع عمليات قتل انتقامي منظمة في مناطق متعددة، مثل حادثة أكتوبر/تشرين الأول في قرية عناز بمحافظة حمص، حيث قُتل رجلان بالرصاص على يد مجهولين يرتدون ملابس سوداء ويركبون دراجة نارية. التحقيقات أظهرت أن أحد الضحايا كان مرتبطًا بميليشيات الأسد، مما يشير إلى أن الدافع وراء العملية كان الانتقام من رموز النظام السابق.
وتفيد الإحصاءات الحديثة بأن حوالي 60% من حالات الوفاة العنيفة في مناطق متعددة من سوريا تعود إلى انتقام مستهدف، في حين كانت النسبة 36% خلال الأسابيع الأخيرة من أغسطس/آب. ويؤكد الباحث غريغوري وترز من المجلس الأطلسي أن هذا النوع من العنف الانتقامي في ازدياد، ويزداد سوءاً مع استمرار غياب العدالة الانتقالية.
مظاهر فشل العدالة الانتقالية
الحكومة السورية المؤقتة وعدت بمحاسبة رموز النظام السابق ومن ارتكبوا جرائم حرب، لكنها لم تتمكن من تطبيق هذه الوعود بشكل متسق وشفاف. بعض الضباط والموظفين السابقين لا يزالون متجولين بحرية، فيما تُفرج السلطات عن المشتبه بهم بعد أيام قليلة من احتجازهم، ما يزيد شعور المواطنين بالغياب الفعلي للعدالة.
صفحات التواصل الاجتماعي ساهمت في تصعيد التوتر، حيث تنشر صوراً للمتعاونين مع النظام السابق، ما يثير دعوات غير مباشرة للانتقام، ويزيد احتمالية العنف الأهلي.
الأبعاد الطائفية والاجتماعية
معظم ضحايا العنف الانتقامي كانوا من الأغلبية السنية المتعاونة مع النظام، لكن هناك مخاطر لاحقة لاستهداف الأقليات، ما قد يخلق اتهامات طائفية حتى لو ثبت تورط الضحية في جرائم نظامية.
يؤكد الخبراء أن استمرار هذا النمط من العنف يعكس فشلاً في بناء مؤسسات الدولة وضمان الأمن، ويضع المجتمع أمام خيار إما الصبر على البطء الحكومي، أو اللجوء إلى الانتقام الذاتي.
تحديات الحكومة المؤقتة واستراتيجياتها
تحاول الحكومة الحالية ملاحقة رموز النظام السابق قبل وصول المنتقمين إليهم، لكنها تواجه صعوبة كبيرة في السيطرة على خلايا الانتقام المحلية، التي قد تتحول لاحقاً إلى تهديد مباشر لسلطات الدولة نفسها.
ويرى الحقوقيون مثل محمد العبد الله أن تصاعد العنف الانتقامي دليل واضح على سوء سير عملية العدالة الانتقالية، حيث يشعر المواطنون بأنهم مضطرون لأخذ حقوقهم بأيديهم بسبب غياب المعلومات والشفافية.
خطوات محتملة لوقف الانفلات
تحسين التواصل والشفافية بشأن محاسبة رموز النظام السابق.
تطبيق العدالة الانتقالية بشكل منظم وعلني.
تعزيز الأمن وحماية المدنيين لمنع الانتقام الأهلي.
مراقبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتجنّب التحريض على العنف.
يبرز الوضع في سوريا بعد الأسد فشل العدالة الانتقالية كعامل أساسي في تصاعد الانتقام الأهلي. أي تأخير في تطبيق العدالة المنظمة سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات الاجتماعية والفوضى، بينما يمكن لإجراءات واضحة وشفافة أن تمهّد الطريق لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة، ومنع الانجرار نحو دوامة عنف متصاعد.