دمشق–واشنطن: إعادة تنظيم شرق الفرات

2025.11.15 - 11:26
Facebook Share
طباعة

 شهدت العلاقات السورية–الأميركية مؤخرًا مرحلة حساسة، تتجلى في الزيارة الأولى للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى واشنطن، والتي جاءت في توقيت دقيق يستدعي إعادة تقييم موازين القوة شرق الفرات، حيث تتشابك المصالح الأمنية والعسكرية والإقليمية. زيارة الشرع، رغم أنها لم تُترجم بعد إلى تحوّل سياسي كامل، تُعد مؤشرًا على رغبة الطرفين في اختبار آليات التعاون المحتملة، خصوصًا في ملف مكافحة تنظيم "داعش" وتأمين استقرار بيئة شرق سوريا الهشة.


إعادة تنظيم قنوات الاتصال والمراقبة الأمنية
انضمام دمشق إلى التحالف الدولي ضد داعش يُعتبر خطوة عملية لإعادة تنظيم قنوات الاتصال بين الطرفين، مع التركيز على ضبط البيئة الأمنية ومنع فراغ قد تستفيد منه التنظيمات الإرهابية. هذا الانخراط لا يترجم بالضرورة إلى شراكة سياسية أو عسكرية واسعة، لكنه يفتح الباب أمام تنسيق عملي يتيح تبادل المعلومات الضرورية حول تحركات خلايا داعش، وتفادي أي احتكاك ميداني غير مقصود.

واشنطن، من جانبها، تتعامل مع هذا الانضمام وفق سياسة "الانخراط المحدود"، أي إدارة الملفات الأمنية الحساسة فقط، دون الانخراط في شراكات استراتيجية كاملة أو التزامات سياسية واسعة. ومن جانب دمشق، تُرى هذه الخطوة كجزء من جهود الدولة لإعادة بناء الثقة داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، واستعادة السيطرة على بيئات تعتبرها نقاط ضعف منذ سنوات النزاع.


ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)
يبقى ملف قسد من أكثر الملفات حساسية في شرق سوريا، نظرًا لأن وجودها الممتد منذ سنوات جعلها جزءًا لا يتجزأ من البنية الأمنية المحلية. أي تنسيق محتمل بين دمشق وواشنطن يجب أن يضع في الاعتبار هذا الواقع، لضمان إدارة فعالة للمناطق التي يشترك فيها النفوذ الأمني والعسكري. واشنطن على الأرجح ستواصل دعم قسد في حدود ضرورات مكافحة داعش، بينما دمشق ستعتمد إدارة مرنة للواقع الميداني، للحفاظ على الاستقرار دون فرض تغييرات مفاجئة على الأرض.


الشرق السوري: منطقة هشّة ومتعددة الفاعلين
الشرق السوري يصنف ضمن "المناطق الهشّة"، حيث تتداخل السلطات المحلية مع القوى الإقليمية والدولية، وتتنوع الميليشيات والفصائل المسلحة. هذا الواقع يعقد أي ترتيبات أمنية أو سياسية، ويجعل من الضروري اعتماد قنوات اتصال منضبطة لتجنب الفراغ الأمني. التجارب الدولية في العراق وأفغانستان والصومال أثبتت أن "الاستقرار عبر التنسيق" يحقق نتائج عملية، حتى بدون وجود اتفاق سياسي شامل، من خلال تبادل المعلومات ومراقبة التحركات وتنسيق الجهود بين مختلف الأطراف.


التحديات الميدانية ومكافحة داعش
المرحلة المقبلة قد تشهد تنسيقًا فنيًا وميدانيًا بين دمشق وواشنطن، يشمل:
تبادل المعلومات عن نشاط خلايا داعش.
مراقبة الحدود والممرات الحيوية لضمان الأمن المحلي.
تنظيم التحركات العسكرية لتجنب الاحتكاك غير المقصود.
إمكانية دعم جوي محدود ضمن إطار التحالف، وفق ضوابط واضحة.

هذا النوع من التنسيق، على الرغم من محدوديته، يمكن أن يتيح بيئة أكثر أمانًا للسكان المحليين، ويمنع التنظيمات الإرهابية من استغلال الفراغ.


آفاق الاستقرار والتعاون التدريجي
على المدى المتوسط، قد يُفتح المجال لتطوير التعاون في ملفات خدمية وإنسانية، مثل دعم البنى التحتية المحلية وتحسين الخدمات الأساسية، ضمن بيئة آمنة ومنظمة. أي ترتيبات مستقبلية ستعتمد على قدرة الطرفين على إدارة الملفات المشتركة بروح براغماتية، مع مراعاة خصوصية كل منطقة.

بهذا الأسلوب، يصبح ملف قسد جزءًا من سياق أوسع لإدارة الواقع الميداني، مع الحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة بين جميع الأطراف. هذا النهج يسمح بتهدئة خطوط التماس، ويخلق فرصًا لتنمية بيئة أكثر استقرارًا في شرق سوريا، دون فرض سيطرة قسرية أو تغييرات سياسية سريعة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 3