يعيش قطاع التأمين في لبنان مرحلة دقيقة وسط تصاعد الجهود الرسمية لتعزيز الرقابة المالية والامتثال للمعايير الدولية، في إطار المساعي الرامية لإخراج البلاد من «اللائحة الرمادية» لمجموعة العمل المالي (FATF). فبينما يُنظر إلى هذا القطاع كأحد ركائز الاقتصاد، تتزايد المؤشرات حول ضرورة ضبطه أكثر، نظراً لما يتيحه من ثغرات يمكن أن تُستغل في عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وفق تقارير مصرفية ورقابية، تُصنَّف شركات التأمين بين القطاعات “عالية المخاطر”، بسبب طبيعة تعاملاتها النقدية وارتباطها المباشر بالشركات المالية والمصارف. لذلك، كثّفت هيئة الرقابة على التأمين بالتعاون مع مصرف لبنان والهيئات الدولية خطواتها لإعادة هيكلة القواعد التنظيمية وتعزيز أنظمة الامتثال، خصوصاً في ما يتعلق بالتدقيق على هوية العملاء، ومتابعة مصادر الأموال، وإخضاع التحويلات والتعويضات لمراجعة دقيقة.
الجهود الحالية تتركز على مكننة البيانات واعتماد أنظمة رقمية موحّدة تسهّل التتبع وتحدّ من التدخلات اليدوية التي غالباً ما تفتح الباب أمام الفساد أو التلاعب.ط كما يجري العمل على تدريب الكوادر داخل الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تملك خبرات كافية في مجال مكافحة غسل الأموال، في وقت تُظهر الشركات الكبرى مرونة أعلى في التكيّف مع هذه المتطلبات الدولية.
لكن، رغم هذا المسار الإيجابي، يرى مراقبون لا أن التحديات قائمة فضعف الرقابة الميدانية، وتداخل المصالح السياسية والمالية، يُبطئان عملية الإصلاح الشامل. كما يثير غياب قاعدة بيانات مركزية موحدة تساؤلات حول قدرة السلطات على ضبط كل المعاملات التي تمر عبر القطاع.
التحصين الرقابي يبدو اليوم ضرورة ملحّة أكثر من كونه خياراً، إذ إن استمرار أي ثغرات في قطاع التأمين قد يهدد مكانة لبنان المالية ويعرّضه لعقوبات إضافية وبين الرقابة والامتثال، يبقى الرهان على إرادة الدولة في فرض الشفافية وحماية سمعة النظام المالي من الانزلاق مجدداً إلى دائرة الخطر.