أقدم ضابط الشرطة الإسرائيلي السابق فيتالي ميشيف على إشعال النار في نفسه أمام منزل مديرة إدارة إعادة التأهيل، وتوفي بعد أسبوعين متأثرًا بجراحه البالغة وقد أثارت الحادثة صدمة واسعة وغضبًا في الأوساط الإسرائيلية، وسط اتهامات رسمية وشعبية بسوء معاملة المصابين نفسيًا وإهمال برامج إعادة التأهيل التي يفترض أن تدعمهم بعد الإصابات والاضطرابات النفسية التي يتعرضون لها خلال خدمتهم.
ميشيف، الذي أصيب قبل أكثر من عقد أثناء خدمته نتيجة هجوم من شخص مختل عقليًا، شُخِّص لاحقًا باضطراب ما بعد الصدمة مع مرور الوقت، تدهورت حالته النفسية بشكل ملحوظ، وشعر بأنه منبوذ ومهمل من قبل المؤسسة التي كان من المفترض أن تقدم له الدعم والرعاية اللازمة.
وأفاد أصدقاؤه أنه لم يكن يسعى لإيذاء أحد، لكنه شعر بأن كل الأبواب أُغلقت في وجهه، وأن الجهات التي كان يعتمد عليها قد تخلت عنه، نُقل ميشيف بعد الحادثة إلى المستشفى في حالة حرجة، ووضع تحت التخدير وجهاز التنفس الاصطناعي، إلا أنه لم يتمكن من النجاة. وأصدرت وزارة الدفاع الإسرائيلية بيانًا عبرت فيه عن حزنها الشديد للحادث، لكنها شددت على أن الفعل الذي قام به لم يكن حلاً مناسبًا حتى في حالات الأزمات النفسية الشديدة.
ويرى مراقبون أن الحادثة تكشف استمرار التحديات في منظومة إعادة تأهيل المصابين نفسيًا في الجيش والشرطة، رغم البرامج الإصلاحية التي أُطلقت بعد حوادث مشابهة في السنوات الماضية ويشيرون إلى أن الضغوط النفسية على الجنود والعاملين في المؤسسات الأمنية مستمرة، وأن بعض المصابين يواصلون مواجهة صعوبات إضافية بسبب تجنيدهم في صفوف الاحتياط أو إعادة إدماجهم في بيئات عمل لم تتكيف بشكل كافٍ مع احتياجاتهم النفسية.
الحادثة تكشف فشل المؤسسة الإسرائيلية في توفير الدعم النفسي الكافي للمصابين، وتبرز الإهمال والتقصير في برامج إعادة التأهيل التي يُفترض أن تحمي الأفراد من تداعيات الصدمات النفسية وهي تشير إلى غياب بيئة مؤسسية مسؤولة ومرنة تتيح للمتضررين التعامل مع الصدمات المتراكمة على مدى سنوات، ما يؤدي في كثير من الحالات إلى مآسي شخصية مأساوية.
وذكرت صحيفة هآرتس في وقت سابق أن 42 جنديا إسرائيليا قد انتحروا بسبب اضطراب ما بعد الصدمة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش الإسرائيلي يرفض الكشف عن الأعداد الجديدة، لكن مصادر عسكرية أكدت وقوع سبع حالات انتحار منذ مطلع العام الحالي بسبب استمرار الحرب والضغوط النفسية المصاحبة لها.
كما تبرز الواقعة تضارب أولويات المؤسسة الإسرائيلية بين المسؤولية تجاه أفرادها والضغط الأمني والمهام اليومية، ما يجعل إعادة التأهيل النفسي للمصابين مجرد أداة ثانوية غير فعّالة ويطرح هذا الوضع تساؤلات حول مدى التزام إسرائيل بحماية الجنود وموظفي الأمن النفسيًا، ومدى فاعلية برامجها الحالية في توفير الرعاية والدعم بشكل مستدام، في ظل سياسات تتسم بالإهمال والتجاهل المتكرر.