تصاعدت في ألمانيا خلال الأسابيع الماضية موجة من الجدل السياسي والإعلامي حول مصير اللاجئين السوريين، بعد تصريحات مثيرة أدلى بها المستشار الألماني فريدريش ميرتس، دعا فيها إلى إعادة اللاجئين إلى بلادهم عند الضرورة، معتبرًا أن "الحرب الأهلية في سوريا انتهت" ولم يعد هناك ما يبرر بقاءهم في ألمانيا. وأضاف أن من يرفض العودة قد يُرحّل، وهو ما أعاد فتح ملف سياسة اللجوء التي بدأت منذ 2015.
تزامنت تصريحات ميرتس مع زيارة وزير الخارجية يوهان فاديفول إلى دمشق، حيث جال في حرستا وأكد أن "العودة الواسعة للسوريين ما زالت غير ممكنة بسبب حجم الدمار الكبير في البلاد". تصريحات الوزير قوبلت بانقسام داخل حزبه المسيحي الديمقراطي (CDU)، بين من يرى أن الدمار لا يمكن أن يكون عائقاً دائماً أمام الترحيل، ومن يرى ضرورة مراعاة الواقع الإنساني والأمني في سوريا قبل اتخاذ أي قرارات.
ووفق ما نقلته الصحف الألمانية، قال فاديفول خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه إن "سوريا اليوم تبدو أسوأ حالاً من ألمانيا عام 1945"، في إشارة إلى حجم الدمار في مدينة حرستا شرقي دمشق، موضحًا أنه لم ير من قبل مثل هذا الدمار بعينيه.
المخاوف اليومية للاجئين
في برلين، لا يمر يوم دون أن يتداول السوريون أخبار الترحيل المحتمل، خاصة عند تجمع الأهالي أمام المدارس العربية، حيث تتصدر القضية النقاش بين من يعتبر الأخبار صحيحة وبين من يراها مجرد شائعات إعلامية. يقول محمد الشحود، أحد اللاجئين: "كل الضجة الإعلامية هدفها صرف انتباه الشارع الألماني عن إخفاقات الحكومة في الملفات الاقتصادية والاجتماعية".
من جانبه، يرى حسين رسلان أن التركيز الإعلامي على اللاجئين السوريين يعزز خطاب الكراهية ضدهم، ويؤثر على شعورهم بالأمان: "الجميع هنا خائفون، وامتد هذا الهاجس إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تمتلئ الصفحات المتخصصة بمنشورات عن رفض طلبات لجوء أو إنذارات بالترحيل".
سياسة أكثر تشدداً وترحيب من أقصى اليمين
تصريحات ميرتس وجدت صدى لدى بعض السياسيين المحافظين، ومن بينهم وزير الداخلية ألكسندر دوربينت، الذي يدفع باتجاه توسيع نطاق الترحيل ليشمل السوريين المصنفين "خطراً أمنياً". كما طالب حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) بنزع صفة اللجوء عن السوريين ذوي الإقامة المؤقتة، مستغلاً حادثة اعتقال لاجئ بتهمة التحضير لعمل إرهابي لتبرير حملاته الدعائية.
واقع معيشة اللاجئين
على الأرض، يعيش اللاجئون السوريون في ألمانيا تحديات يومية، أبرزها نقص المساكن وارتفاع التكاليف، ما يجعل الاستقلال المعيشي صعباً. يقول أبو عيسى، لاجئ منذ خمس سنوات: "العمل لن يغير شيئاً طالما الدولة تتحمل التكاليف". أما أحمد القادم من دير الزور، فينتظر الآن حكم المحكمة بعد صدور قرار ترحيله، مضيفاً أن التكاليف المادية تتضاعف عليه ولا خيار سوى الانتظار.
سوريا ليست "البوسنة"
يؤكد الباحث محمد الشيخ علي أن مقارنة الوضع السوري باللاجئين البوسنيين في تسعينيات القرن الماضي غير دقيقة. فقد كانت البوسنة بعد الحرب تمتلك اتفاق سلام وبرامج إعادة إعمار وإشراف الأمم المتحدة، بينما سوريا اليوم تفتقر لأي خطة واضحة لإعادة الإعمار، ولا يمكن ضمان عودة آمنة للاجئين دون تأمين سكن وفرص معيشية مستقرة.
"سوريا ليست البوسنة، فالحرب هناك انتهت بسلام ورعاية دولية، بينما لا تزال أسباب النزوح الاقتصادية قائمة في الحالة السورية"، يختتم الشيخ علي.