يستعد الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم ليلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ثالث لقاء يجمعهما منذ تسلّمه الرئاسة، والثاني الذي يجري على الأراضي الأمريكية.
تسعى دمشق من خلال هذه الخطوة إلى فتح قناة تواصل مباشرة مع واشنطن بعد سنوات من العزلة، فيما يحرص القصر الرئاسي على إعادة تعريف الدور السوري في المنطقة وسط تحولات كبيرة في موازين القوى الإقليمية.
العقوبات الأمريكية على رأس الملفات
يتصدر ملف العقوبات الأمريكية بموجب قانون “قيصر” جدول المباحثات. وترى القيادة السورية أن رفع هذه العقوبات يمثل الشرط الأساسي لبدء إعادة الإعمار الاقتصادي والسياسي.
من جهتها، تعتبر الإدارة الأمريكية أن رفع العقوبات مرتبط بخطوات ملموسة نحو الانفتاح والتعاون مع التحالف الدولي، بما في ذلك المشاركة في مراقبة الحدود والتنسيق الأمني.
ويرى محللون أن الفترة الحالية ضاغطة للغاية، إذ إن أي تأجيل قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة قد يجمّد هذه الملفات، ما يجعل الأسابيع القادمة حاسمة لتحديد اتجاه العلاقات بين دمشق وواشنطن.
الانضمام للتحالف الدولي: اعتراف سياسي وأمني
يُتوقع أن يوقّع الرئيس الشرع اتفاقية انضمام سوريا رسميًا إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، لتصبح العضو التسعين فيه.
ويعكس هذا التحرك تحوّلًا نوعيًا في السياسة السورية بعد سنوات من الاصطفاف في المعسكر الروسي – الإيراني، ويمثل فرصة لإعادة دمشق إلى مسار التعاون الدولي في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب.
ومع ذلك، يحمل هذا الانضمام تحديات، أبرزها تحديد مستقبل “قوات سوريا الديمقراطية”، إذ ستفقد امتياز كونها الشريك السوري الوحيد للولايات المتحدة، ما يفرض صيغة دمج تدريجي لهذه القوات ضمن مؤسسات الدولة مع ضمان استقرار مناطق شرق الفرات.
ويؤكد خبراء أن واشنطن ستلعب دور الوسيط لتسهيل الدمج بشكل منظم يحافظ على التوازن الميداني ويمنع أي تصعيد محتمل، في حين تسعى دمشق لضمان ولاء القوات الجديدة للمؤسسات الوطنية.
ترتيبات أمنية على الحدود مع إسرائيل
تجري مباحثات غير معلنة لإعادة تفعيل قنوات التواصل الأمني مع إسرائيل بوساطة أمريكية، بهدف الوصول إلى تفاهمات حول الحدود وخفض التوتر في منطقة الجولان.
وتسعى الإدارة الأمريكية من خلال هذه الخطوات إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتقليل النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.
رغم ذلك، تواجه هذه المبادرات عدة عقبات، أبرزها استمرار الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، إضافة إلى المقاومة الشعبية والسياسية لأي اتفاق لا يضمن الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية.
وتبقى دمشق حذرة، فهي لا تسعى إلى مفاوضات سلام مباشرة، لكنها منفتحة على تفاهمات مؤقتة لضمان التهدئة والاستقرار.
السياسة الخارجية الجديدة: الانفتاح المتعدد
تأتي زيارة الشرع إلى واشنطن بعد جولات سابقة إلى موسكو وبكين، ما يعكس استراتيجية الانفتاح المتعدد التي تعتمدها سوريا الجديدة، القائمة على الموازنة بين القوى الكبرى دون الالتزام بمحور واحد.
روسيا ترى التقارب السوري – الأمريكي بحذر محسوب، إذ تحرص على أن لا يمس هذا التوجه مصالحها الاستراتيجية الطويلة المدى، بينما تحافظ الصين على علاقات اقتصادية ودبلوماسية متينة مع دمشق، معتبرة أن التحركات الغربية الجديدة لا تعني تراجعًا عن شراكتها الشرقية.
ويعكس هذا النهج رغبة سوريا في إعادة بناء دورها السياسي والأمني بطريقة مرنة تتيح الاستفادة من كل طرف دون الدخول في محاور مغلقة.
ختامًا: مرحلة إعادة التموضع
تمثل زيارة الشرع إلى واشنطن اختبارًا حقيقيًا للدبلوماسية السورية الجديدة، وتحدد أولويات سوريا في إعادة التموضع بعد سقوط النظام السابق.
فدمشق تواجه اليوم خيارين:
التموضع في مساحة وسطى توازن بين الشرق والغرب، أو
الانخراط الفعلي في المنظومة الغربية لإعادة رسم معادلات الأمن الإقليمي.
وفي كلتا الحالتين، تظل الزيارة علامة فارقة في إعادة تعريف الدور السوري في الشرق الأوسط، وتؤسس لبداية مرحلة جديدة من العلاقات الدولية المستقرة والمتوازنة.