يبدو أن القاهرة والدوحة تتحركان بحذر شديد في ما يخصّ ملف القوة الدولية المقترح نشرها في قطاع غزة، إذ يعكس بيانهما المشترك، الصادر اليوم الأحد، إدراكاً عميقاً لحساسية المرحلة المقبلة بعد عام من الحرب المدمّرة، وتخوّفاً من أن تتحول هذه القوة إلى صيغة وصاية جديدة على القطاع الفلسطيني.
فمنذ طرح الفكرة ضمن مداولات واشنطن وتل أبيب والأمم المتحدة، تركزت النقاشات حول الجهة التي ستشرف على القوة، وطبيعة صلاحياتها، وهل ستكون للفلسطينيين الكلمة الأولى في إدارتها أم ستُفرض عليهم بصيغة "أمنية إنسانية" مموّهة وهنا برز التناغم المصري-القطري الذي شدّد على ضرورة تحديد الولاية والصلاحيات بدقة، وربط أي وجود دولي بمهام محددة في التعافي المبكر وإعادة الإعمار، لا في ضبط الأمن أو رسم المشهد السياسي داخل غزة.
يرى مراقبون أن القاهرة تحمل في ذاكرتها خبرات طويلة مع ملفات الوصاية الدولية على مناطق نزاع، وتخشى أن يكون الهدف الفعلي من نشر القوة هو تهميش الدور العربي والفلسطيني وإعطاء إسرائيل "نافذة أمنية" جديدة أما قطر، التي لعبت دوراً محورياً في وساطات الهدنة، فتخشى أن يُختزل جهدها السياسي والإنساني في ترتيبات ميدانية لا تخدم مشروع التسوية الأشمل.
ويأتي الاتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بعد أيام من قمة شرم الشيخ للسلام، في لحظة إقليمية دقيقة تحاول فيها واشنطن تسويق خطة "ترامب الجديدة" للسلام، وهو ما يفسّر تمسّك القاهرة والدوحة بـ"ثوابت الموقف العربي" التي تضع وحدة الأراضي الفلسطينية وحق الفلسطينيين في إدارة شؤونهم بأنفسهم كمرتكز لأي ترتيبات مستقبلية.
كما أظهر البيان إصرار الطرفين على ربط أي مسار في غزة بوقف كامل للاستيطان في الضفة الغربية، بما يعيد التوازن إلى المبادرة السياسية التي فقدت وزنها تحت ضغط الوقائع الميدانية.
في العمق، لا يتعلق الموقف المصري-القطري بمجرد تحفظ دبلوماسي على الصلاحيات، بل بخشية استراتيجية من أن يتحول الوجود الدولي إلى غطاء دائم لإدارة غزة بمعزل عن السلطة الفلسطينية والعرب. لذلك، يأتي هذا التنسيق المشترك كرسالة مبكرة مفادها أن إعادة الإعمار لا يمكن أن تكون مدخلاً لشرعنة الوصاية، وأن الحلّ يجب أن يبقى فلسطينياً عربياً بالأساس.