العراق بين نزاهة الصندوق وهاجس السلاح

2025.11.09 - 08:10
Facebook Share
طباعة

 مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، يجد العراق نفسه أمام مجموعة معقدة من التحديات الأمنية والسياسية واللوجستية التي تهدد نزاهة العملية الانتخابية وتضع مؤسساته أمام اختبار صعب في الحفاظ على المسار الديمقراطي وسط بيئة مضطربة.

تتمثل أبرز هذه التحديات في انتشار السلاح المنفلت، وتهديد المرشحين، وتدخل المال السياسي، واستغلال المناصب الرسمية لأغراض انتخابية، وهي ظواهر تراكمت خلال الدورات السابقة وما تزال تشكل مصدر قلق للناخبين وللمفوضية العليا المستقلة للانتخابات على حد سواء.

خطط أمنية محكمة لحماية الصناديق

الفريق الركن وليد التميمي، قائد عمليات بغداد ورئيس اللجنة الأمنية الفرعية لانتخابات 2025، أكد إعداد خطط شاملة لتأمين العملية الانتخابية في العاصمة ومحيطها، مشيرًا إلى أن الهدف الرئيس هو "منع أي محاولات لترهيب الناخبين أو التأثير على إرادتهم الحرة".

وأوضح التميمي أن القوات الأمنية عززت انتشارها الاستخباري في جميع المناطق، مع تفعيل غرف عمليات ميدانية للتعامل الفوري مع أي خرق أمني محتمل، وتشديد تطبيق قرار منع المظاهر المسلحة قرب المراكز الانتخابية.

وأضاف أن الإجراءات الأمنية تمتد لتأمين مراكز الاقتراع ومحطات الفرز والمخازن المركزية، من خلال أطواق متعددة ومفارز ثابتة ومتحركة ترافق صناديق الاقتراع أثناء النقل والفرز. وأكد أن "حماية المرشحين والناخبين على حد سواء تمثل جوهر حماية المسار الديمقراطي"، مشيرًا إلى جاهزية القوات بشكل كامل للحفاظ على سلامة العملية الانتخابية.

المال السياسي في مرمى المفوضية

من جانبها، تحدثت نبراس أبو سودة، عضو الفريق الإعلامي في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، عن إجراءات دقيقة لضبط التمويل الانتخابي، مؤكدة أن المفوضية تعتمد نظامًا صارمًا لتتبع مصادر الأموال وحجم الإنفاق لكل حملة.

وبحسب اللوائح التنظيمية، يُحدد سقف الإنفاق للمرشحين وفق معادلة تستند إلى عدد الناخبين في الدائرة الانتخابية ونوع المشاركة. فلكل مرشح مستقل يُخصص سقف إنفاق مقداره 250 دينارًا عراقيًا لكل ناخب في دائرته، بينما تُحسب مبالغ القوائم الانتخابية عبر جمع حصص جميع مرشحيها.

وأكدت أبو سودة أن هذه الإجراءات تهدف إلى منع استخدام المال السياسي لشراء الأصوات أو التأثير في الناخبين، مشيرة إلى أن المفوضية سجلت حتى الآن أكثر من 540 خرقًا انتخابيًا، ووصفتها بأنها “مخالفات بسيطة” جرى التعامل معها فورًا عبر الغرامات أو التنبيهات القانونية.

وشددت على أن النظام الانتخابي الجديد يمنع استغلال موارد الدولة أو الأبنية الحكومية أو النفوذ الوظيفي في الحملات، مؤكدة أن المخالفين قد يواجهون إجراءات قانونية تصل إلى إحالة قضائية في الحالات الجسيمة.

أمن البيانات وحماية الناخبين

وحول المخاوف من التلاعب ببيانات الناخبين أو تزوير البطاقات، أكدت أبو سودة أن قاعدة البيانات مؤمنة بالكامل وتخضع لإشراف تقني ورقابي متواصل. وأوضحت أن هناك 1079 مركز تسجيل تعمل على تحديث البيانات وتوزيع البطاقات الانتخابية، وأن أي حادث تسريب محتمل يخضع فورًا للتحقيق الداخلي عبر لجان مختصة.

وأضافت أن المفوضية "تولي أمن البيانات أهمية قصوى لأنها تمثل العمود الفقري لنزاهة الانتخابات"، مشيرة إلى أن سلامة النظام الإلكتروني والإجراءات التقنية تمثل ضمانة إضافية ضد أي تلاعب أو اختراق.

القانون الانتخابي.. صمام الأمان التشريعي

الخبير القانوني علي التميمي أكد أن التشريعات العراقية الحالية — وعلى رأسها قانون الانتخابات رقم 12 لسنة 2018 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 2023 — تتضمن مواد واضحة تمنع التحريض الطائفي، أو الإساءة إلى المرشحين، أو استخدام موارد الدولة للدعاية.

وأوضح أن مجلس المفوضين يمتلك صلاحية إلغاء مصادقة أي مرشح مخالف وتحويل ملفه إلى القضاء، وأن هذه القرارات قابلة للطعن خلال ثلاثة أيام أمام هيئة قضائية مختصة، التي تبت في الطعون خلال عشرة أيام فقط.

وأشار إلى أن القانون يعاقب على الجرائم الانتخابية بالحبس لمدة قد تصل إلى سنة وغرامات مالية تصل إلى 50 مليون دينار عراقي، وتشمل التهم الرشوة، الابتزاز، شراء الأصوات، أو انتهاك الصمت الانتخابي.

ويرى التميمي أن المرحلة السابقة ليوم الاقتراع ستكون "الاختبار الحقيقي للمرشحين"، حيث تُفرز الكيانات الملتزمة بالقانون من تلك التي تحاول الالتفاف عليه عبر النفوذ أو السلاح.

مراقبة مجتمعية وإعلامية

في السياق ذاته، دعا التميمي إلى تفعيل البلاغات الشعبية والإعلامية لمراقبة الحملات الانتخابية، معتبرًا أن الرقابة الأهلية والإعلامية تمثل "صمام الأمان الأخير" لضمان الشفافية. كما شدد على ضرورة تحييد دور العبادة والمؤسسات التعليمية عن أي نشاط انتخابي، باعتبارها أماكن يجب أن تبقى خارج الاستقطاب السياسي.

خلاصة المشهد الانتخابي

مع بقاء عام واحد على موعد الانتخابات، يبدو أن التحديات الأمنية والمالية والقانونية تتشابك في مشهد معقد، حيث تسعى الدولة إلى استعادة ثقة المواطنين بالعملية الديمقراطية بعد سنوات من الشكوك والتجارب المتعثرة.

ورغم الجهود المعلنة من الأجهزة الأمنية والمفوضية، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان تكافؤ الفرص ومنع السلاح والمال والنفوذ من تقويض إرادة الناخبين. فنجاح انتخابات 2025 لن يُقاس فقط بنسبة المشاركة، بل بقدرتها على تجديد الثقة بالمؤسسات وإعادة الاعتبار لصوت المواطن العراقي بوصفه مصدر الشرعية الحقيقية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 9