البرلمان اللبناني أمام اختبار دستوري حاسم

2025.11.08 - 03:57
Facebook Share
طباعة

عاد ملف انتخابات المغتربين اللبنانيين إلى صدارة المشهد السياسي في بيروت، بعد أن أحالت الحكومة مشروع قانون معجّل مكرّر لتعديل المادة التي تحصر أصواتهم بستة مقاعد نيابية فقط، مانحةً إياهم مجدداً حق التصويت الكامل للنواب الـ128 في دوائرهم الأصلية.
لكن هذا التطور فتح الباب أمام أزمة جديدة بين القوى السياسية، وسط صلاحيات استثنائية لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يمسك بمفاتيح المرور أو التعطيل، ما يهدد بتأجيل — وربما تعطيل — هذا الاستحقاق الانتخابي الحيوي.

 


خلافات حادة بين القوى السياسية

الموقف الحكومي الجديد شكّل مفاجأة للعديد من القوى، إذ جاء اعتراض وزراء الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) على مشروع القانون ليمهد الطريق أمام مواجهة سياسية مفتوحة داخل البرلمان.
ويرى مراقبون أن مشروع التعديل الذي أعاد الحكومة طرحه يأتي في لحظة دقيقة، إذ إن المواد الدستورية والنظام الداخلي للمجلس تمنح رئيس البرلمان صلاحيات واسعة في التعامل مع مشاريع القوانين، تسمح له بتمرير ما يشاء وترك ما لا يريده معلقاً في أدراج اللجان.

ويعارض الثنائي الشيعي ومعه التيار الوطني الحر أي تعديل في قانون الانتخاب الحالي، الذي ينص على تخصيص ستة مقاعد نيابية للمغتربين، معتبرين أن السماح لهم بالتصويت حسب دوائرهم الانتخابية في الداخل قد يغيّر موازين القوى السياسية في الانتخابات المقبلة لصالح خصومهم، لا سيما قوى "السيادة" و"المعارضة المسيحية".

 


ضغط نيابي لإدراج المشروع

رغم اعتراضات "أمل" و"حزب الله"، فإن نحو 67 نائباً — أي ما يشكل أكثرية نيابية — سبق أن وقّعوا على اقتراح مماثل لتعديل القانون الانتخابي. غير أن الرئيس نبيه بري رفض وضعه على جدول أعمال الهيئة العامة، وأحاله إلى لجنة نيابية تدرس مجمل اقتراحات قوانين الانتخاب.

اليوم، ومع تبنّي الحكومة للمشروع ذاته، يرى نواب كثر أن الكرة باتت في ملعب بري.
ويقول النائب جورج عقيص (تكتل الجمهورية القوية) في تصريحات صحيفة إن إحالة المشروع إلى اللجان "تخالف روح القانون"، مؤكداً أن "المطلوب من الرئيس بري دعوة الهيئة العامة فوراً لإقرار التعديل قبل انتهاء المهلة المحددة لتسجيل المغتربين، أي قبل 20 نوفمبر الجاري".

ويضيف عقيص أن "أي تأخير أو امتناع عن الدعوة للجلسة يعني عملياً أن الرئيس بري يقف ضد الأكثرية النيابية والوزارية"، كاشفاً عن اجتماعات سرية بين القوى السيادية للبحث في خطوات تصعيدية إذا ما استمر التعطيل.


---

صلاحيات بري... بين النص والواقع

الجدل الدستوري يتمحور حول مدى التزام بري بالقواعد التي تحكم إحالة المشاريع المعجّلة.
الخبير القانوني سعيد مالك أوضح أن النظام الداخلي لمجلس النواب يتيح للرئيس خيارين: إما إدراج المشروع مباشرة على جدول الأعمال (المادة 109)، أو إحالته إلى اللجان (المادة 106)، بشرط أن تنجز الأخيرة دراستها خلال 15 يوماً فقط وفق المادة 38.

ويرى مالك أن الرئيس بري سيميل إلى الإحالة إلى اللجان، في محاولة "لتهدئة الجدل السياسي وتخفيف الضغط"، لكنه في الواقع "يمنح نفسه مهلة إضافية قد تجعل المشروع يفقد مفعوله الزمني".

هذا السيناريو أكده أيضاً النائب ميشال موسى (كتلة التنمية والتحرير)، الذي رجح أن "يحيل بري المشروع إلى اللجنة المختصة، كون هذا القرار من صلاحياته الكاملة"، مشيراً إلى أن هناك "عدة اقتراحات انتخابية قيد الدرس حالياً، ولا أفضلية لأي منها في النظام الداخلي".

 


تصعيد مذهبي وخطاب تحذيري

الموقف الأكثر حدة جاء من المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان، الذي أطلق رسالة سياسية نارية قال فيها: "لن يمر أي قانون انتخاب يخالف مصالح الجنوب والبقاع والضاحية. القوانين التي تعادي لبنان لا مكان لها هنا، وصمتنا فقط للمصلحة الوطنية، لكننا لن نقبل بنحر لبنان انتخابياً".

 

وأضاف قبلان أن "جماعة السيادة المستوردة من وراء البحار يدفعون البلد نحو كارثة داخلية، وحركة أمل وحزب الله هما صمام الأمان، ولبنان بدونهما لن يكون لبنان".

هذا التصريح قرأه مراقبون كـ"إنذار سياسي" صريح من الطائفة الشيعية، مفاده أن أي محاولة لتعديل القانون الانتخابي دون توافق وطني قد تفتح الباب أمام أزمة طائفية جديدة.

 

بين الإصلاح والتعطيل: معركة الدستور والسياسة

إحالة مشروع تعديل قانون انتخاب المغتربين إلى البرلمان أعادت التذكير بالمعضلة اللبنانية المزمنة: غلبة السياسة على الدستور، وهيمنة المصالح الفئوية على المصلحة العامة.
ففي حين ترى القوى المعارضة أن السماح للمغتربين بالتصويت الكامل يمثل خطوة إصلاحية تعيد الثقة بالعملية الديمقراطية، يراه الثنائي الشيعي محاولة لتقويض توازن القوى التقليدي في البرلمان.

ويبقى القرار بيد الرئيس بري، الذي يجد نفسه مجدداً في موقع الحكم والخصم معاً — بيده القدرة على تسريع العملية أو تجميدها إلى أجل غير مسمى، بينما الوقت يضيق قبل انتهاء مهلة تسجيل المغتربين، وسط ترقب داخلي ودولي لنتيجة هذا الاختبار الدستوري الحاسم.


لبنان بين إرادة الإصلاح وجدار الصلاحيات

تبدو معركة قانون انتخاب المغتربين أكثر من مجرد تعديل تقني؛ إنها اختبار حقيقي لمدى قدرة المؤسسات اللبنانية على العمل خارج منطق الزعامات الطائفية.
ففي ظل نظام برلماني يقوم على التوافق لا المحاسبة، تتحول صلاحيات رئيس المجلس إلى أداة تعطيل دستوري مقنّع.
وإذا لم يتمكن النواب من فرض إرادتهم الدستورية خلال الأسابيع المقبلة، فإن انتخابات 2026 قد تنطلق مجدداً بشروط "الثنائي الشيعي" لا بإرادة الدولة اللبنانية، ما يعني أن الإصلاح الانتخابي سيظل حلماً مؤجلاً في وطن تحكمه التسويات لا القوانين.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 5