إسرائيل تُعلن «حربها الجديدة» على الحدود المصرية

ذريعة الطائرات المسيّرة تُخفي أزمة أمنية إسرائيلية تتفاقم داخليًا

2025.11.06 - 01:01
Facebook Share
طباعة

في خطوة تُثير القلق حول نيات الاحتلال وتوجّهاته الميدانية، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس تحويل الحدود مع مصر إلى «منطقة عسكرية مغلقة»، متوعدًا بـ«الحرب على تهريب الطائرات المسيرة» القادمة من سيناء.
لكن ما بين سطور هذا الإعلان، لا يختبئ مجرد إجراء أمني، بل توسّع استراتيجي جديد يكرّس عسكرة الجنوب الإسرائيلي ويهدد التوازن الدقيق مع القاهرة، في وقت تتزايد فيه مؤشرات الانفلات الأمني داخل إسرائيل نفسها.

قرار عسكري بملامح سياسية

وفق بيان وزارة الدفاع الإسرائيلية، وجّه كاتس جيش الاحتلال لتغيير قواعد الاشتباك على الحدود المصرية، بما يسمح للقوات بإطلاق النار على أي «عنصر غير مصرح له» أو على طائرات مسيّرة يُعتقد أنها تُستخدم للتهريب.
في السياق ذاته، كشفت صحيفة «معاريف» عن إعادة تصنيف الظاهرة من «جنائية» إلى «إرهابية»، ما يتيح للشاباك استخدام أدوات مكافحة الإرهاب ضد من تصفهم إسرائيل بـ«المهربين».

هذا التصعيد ليس إجراءً حدوديًا فحسب؛ بل يعكس تحوّلًا عقائديًا في مقاربة الأمن الإسرائيلي، إذ تُعامل تل أبيب أي ظاهرة خارج السيطرة على أنها تهديد قومي يستوجب عسكرة فورية — ولو على حساب علاقاتها الإقليمية.


الأمن الإسرائيلي في مأزق

تتحدث التقارير عن أكثر من 900 طائرة مسيّرة تمكّنت من اختراق الحدود خلال الأشهر الثلاثة الماضية، محمّلة بالأسلحة والمخدرات.
لكن هذه الأرقام، رغم ضخامة عرضها، تفتقر إلى توثيق مستقل، وتُستغل — وفق خبراء أمنيين — كغطاء لتبرير فشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية في ضبط حدودها، وإخفاء تصدّع ثقة الشارع بالمؤسسة العسكرية بعد حرب غزة وسلسلة الإخفاقات الاستخباراتية الأخيرة.

ففي جوهر الأزمة، لا يخشى الاحتلال طائرات التهريب الصغيرة، بقدر ما يخشى رمزية فقدان السيطرة. إن «الطائرة المسيّرة» هنا ليست سوى مرآة لهشاشة الردع الإسرائيلي في أكثر مناطقه حساسية.


انعكاسات إقليمية وسيادية

إعلان الحدود «منطقة عسكرية مغلقة» يُعدّ سابقة خطيرة في العلاقة المصرية–الإسرائيلية، إذ يفتح الباب أمام تجاوزات ميدانية قد تمسّ بالسيادة المصرية أو تهدد المدنيين في سيناء.
فالقاهرة، التي حافظت طيلة عقود على قنوات تنسيق أمني مع تل أبيب، قد تجد نفسها الآن أمام واقع ميداني جديد تُدار فيه الحدود بقرار أحادي الجانب، دون تنسيق كافٍ أو احترام للاتفاقيات السابقة.

وبينما تبرّر إسرائيل خطواتها بمكافحة التهريب، يتخوف مراقبون من أن يكون هذا القرار مقدمة لتوسيع نفوذها الأمني على طول الحدود، وربما إعادة رسم معادلة السيطرة في الجنوب ضمن سياسة «المنطقة العازلة» التي تلمّح لها أوساط اليمين الإسرائيلي منذ شهور.


من الأمن إلى القمع – عسكرة الداخل بذريعة الخارج

إعادة توصيف التهريب كـ«إرهاب» يمنح إسرائيل تفويضًا داخليًا واسعًا لتشديد قبضتها الأمنية، ليس فقط على الحدود، بل داخل أراضيها.
فالقوانين الجديدة تتيح مداهمات واعتقالات واسعة في مناطق بدوية داخل النقب، تحت ذريعة «تسهيل التهريب» أو «التعاون مع شبكات خارجية».
بهذا تتحول المعالجة الأمنية إلى أداة قمع داخلي، يُستهدف بها الفلسطينيون في الداخل ومجتمعات مهمشة أصلاً، في سياق توسّع ممنهج لسلطات الجيش على حساب الحريات المدنية.


الأمن الإسرائيلي كواجهة لسياسات الهروب

تاريخيًا، يلجأ الاحتلال إلى تضخيم الأخطار الأمنية الخارجية كلما تصاعدت أزماته الداخلية.
الخطاب الحالي حول «الطائرات المسيّرة من سيناء» يتقاطع مع محاولات المؤسسة العسكرية استعادة هيبتها بعد فقدان الردع في غزة وفشلها أمام حزب الله شمالًا.
وبذلك، يُصبح «التهديد القادم من الجنوب» مجرد فصل جديد في سياسة إسرائيلية متكررة: اختلاق عدو لتبرير عسكرة الدولة.

إن التوسّع العسكري على الحدود مع مصر لا يهدف إلى مكافحة تهريب محدود بقدر ما يسعى إلى إعادة إنتاج صورة إسرائيل كضحية محاصَرة وسط الأخطار العربية، في مقابل التغطية على صراعات داخلية سياسية واجتماعية تهدد تماسكها.


ما وراء «الحرب على التهريب»

إسرائيل لا تواجه «طائرات تهريب»، بل تواجه أزمة هوية أمنية تفقدها القدرة على التمييز بين ما هو خطر فعلي وما هو ذريعة للبقاء في حالة حرب دائمة.
تحويل الحدود إلى ثكنة عسكرية لن يُعيد لإسرائيل أمنها المفقود، بل سيُفاقم عزلتها الإقليمية ويعرّض المنطقة لمزيد من الاشتعال.
أما مصر، فتمسك الآن بخيط توازن دقيق بين الحفاظ على سيادتها وتفادي جرّها إلى ميدان تصعيد لا يخدم سوى نزعة الاحتلال إلى تأبيد الخوف.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 9