أردوغان يفتح باب السلام مجددًا مع الأكراد: مناورة سياسية أم تحول استراتيجي؟

2025.11.05 - 05:07
Facebook Share
طباعة

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده وصلت إلى "مفترق طرق جديد" في عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، في خطوة مفاجئة تعيد إلى الواجهة ملفاً ظلّ مجمّداً منذ انهيار المفاوضات عام 2015. وجاءت تصريحاته مصحوبة بإشارات غير مسبوقة إلى إمكانية منح زعيم الحزب المسجون عبد الله أوجلان فرصة لإلقاء كلمة أمام البرلمان التركي، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت أنقرة تتجه نحو تسوية جديدة مع الأكراد أم تمارس لعبة توازنات داخلية في لحظة سياسية حرجة.

 

إشارات انفتاح نادرة

قال أردوغان خلال اجتماع لنواب حزب العدالة والتنمية الحاكم إن تركيا دخلت "مرحلة جديدة" في جهود إنهاء الصراع المسلح، مؤكداً على ضرورة الاستماع "إلى جميع الأطراف دون استبعاد أي أحد"، في إشارة واضحة إلى انفتاحه على مشاركة الأكراد في الحوار السياسي.
وأشار الرئيس التركي إلى أن لقاءاته الأخيرة مع قادة حزب "المساواة والديمقراطية للشعوب" — الوريث السياسي لحزب الشعوب الديمقراطي — كانت "بناءة للغاية"، مضيفاً أن فكرة تمكين أوجلان من الحديث أمام لجنة برلمانية معنية بنزع سلاح حزب العمال "تستحق النقاش".

هذا الطرح يعيد إلى الأذهان الدور الذي لعبه أوجلان خلال مرحلة المفاوضات السابقة، حين دعا أنصاره إلى وقف إطلاق النار وإلقاء السلاح عام 2013، قبل أن تنهار المبادرة بعد عامين على وقع المواجهات الدامية في جنوب شرق تركيا.

 

مؤشرات سياسية تتجاوز الملف الأمني

التوقيت الذي طرح فيه أردوغان مبادرته لا يخلو من دلالات سياسية. فالرئيس التركي يواجه تراجعاً في الشعبية وتحديات اقتصادية خانقة، بينما يسعى لتوسيع قاعدته الانتخابية استعداداً لأي استحقاقات مبكرة محتملة.
ويرى مراقبون أن فتح ملف السلام مع الأكراد — الذين يشكلون نحو 15 إلى 20% من سكان تركيا — قد يكون جزءاً من محاولة أردوغان لاستعادة التأييد في مناطق الأناضول الجنوبية والشرقية، حيث فقد حزبه كثيراً من النفوذ خلال السنوات الأخيرة.

وفي هذا السياق، وصف الزعيم القومي دولت بهجلي، حليف أردوغان وشريك حزب الحركة القومية في الائتلاف الحاكم، فكرة الإفراج عن السياسي الكردي البارز صلاح الدين دمرداش بأنها "مفيدة"، في تراجع لافت عن مواقفه السابقة التي كانت شديدة العداء تجاه أي تسوية مع الأكراد.
هذا الانفتاح المتزامن من طرفي التحالف الحاكم يوحي بوجود تنسيق مسبق في إعادة طرح المسألة الكردية ضمن أجندة سياسية جديدة.

 


السلام بين الواقع والمناورة

لكن رغم النبرة التصالحية، لم تعلن الحكومة التركية بعد عن أي إطار رسمي لخطة السلام أو آليات تواصل مع أوجلان، الذي يقبع في سجن جزيرة إمرالي منذ 1999.
ويرى محللون أن تصريحات أردوغان قد تكون اختباراً للرأي العام الداخلي ولردود فعل المؤسسة العسكرية، التي لا تزال تنظر إلى "العمال الكردستاني" كتنظيم إرهابي لا يمكن التفاوض معه.
كما أن أي تواصل مع أوجلان يظل رهناً بموافقة الأجهزة الأمنية والقضائية، ما يجعل تحقيقه في المدى القريب أمراً معقداً من الناحية القانونية والسياسية.

 


بدأ الصراع بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني عام 1984، وأسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص، معظمهم من الأكراد.
وفي عام 2015، انهارت مفاوضات السلام التي قادها أردوغان شخصياً، بعد هجمات دامية وعودة العمليات العسكرية في مناطق ديار بكر وسيرناك وماردين.
ومنذ ذلك الحين، تواصل أنقرة نهجها الأمني القائم على الضربات الجوية شمال العراق وسوريا ضد مواقع الحزب، في إطار ما تسميه "الحرب على الإرهاب".


تصريحات أردوغان الأخيرة تمثل تحولاً في الخطاب التركي تجاه الأكراد، لكنها لا ترقى بعد إلى مستوى مبادرة سياسية متكاملة.
فالسلام في تركيا لا يزال رهينة الحسابات الانتخابية والتحالفات المتقلبة داخل النظام الحاكم، فيما تبقى مشاركة أوجلان، حتى لو رمزية، مؤشراً على أن الملف الكردي قد يعود إلى دائرة التفاوض بعد عقد من القطيعة.

ومع ذلك، فإن أي مسار جديد لن ينجح ما لم تعترف أنقرة بالبعد السياسي للمسألة الكردية، وتتخلى عن مقاربتها الأمنية التي أثبتت محدوديتها على مدار أربعة عقود من الصراع.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 3