في تطور جديد ينذر بمزيد من التصعيد في الصراع السوداني، رفض الجيش السوداني مقترحًا أمريكيًا لوقف إطلاق النار، مؤكدًا عزمه على "مواصلة القتال حتى القضاء على التمرد". القرار جاء بعد اجتماع طارئ لمجلس الدفاع العسكري برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في وقت تواصل فيه قوات الدعم السريع تقدمها الميداني في غرب البلاد.
أفادت مصادر عسكرية في الخرطوم بأن الاجتماع الطارئ الذي ترأسه البرهان، ناقش آخر التطورات الميدانية خاصة بعد سقوط مدينة الفاشر في أيدي قوات الدعم السريع الشهر الماضي، وهي المدينة التي كانت تمثل آخر معقل للجيش في غرب دارفور.
البيان الصادر عن المجلس العسكري أكد “تقديره للجهود الأمريكية الرامية لإنهاء الحرب”، لكنه شدد على أن “الجيش لن يقبل بأي تسوية تُبقي على الميليشيات المسلحة خارج سيطرة الدولة”. وجاء في نص البيان:
> “قرر المجلس حشد الشعب السوداني لدعم القوات المسلحة في القضاء على الميليشيات المتمردة، في إطار التعبئة العامة وجهود الدولة لإنهاء هذا التمرد.”
ويعكس هذا الإعلان توجها واضحًا لدى القيادة العسكرية نحو توسيع نطاق العمليات الميدانية، مع الاعتماد على الحاضنة الشعبية لتعويض الخسائر المتزايدة في صفوف الجيش، خاصة بعد فقدان مناطق استراتيجية في دارفور وكردفان.
في المقابل، لم تصدر حتى الآن تعليقات رسمية من واشنطن حول رفض المقترح، لكن مراقبين يرون أن الخطوة تمثل انتكاسة جديدة للجهود الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة والسعودية في إطار مفاوضات جدة، والتي فشلت منذ أشهر في التوصل إلى هدنة دائمة بين الطرفين.
كما يثير الموقف العسكري تساؤلات حول مستقبل العملية السياسية في السودان، في ظل إصرار كل طرف على الحسم العسكري، وتزايد الكلفة الإنسانية للحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف وأجبرت ملايين المدنيين على النزوح داخليًا وخارجيًا.
اندلعت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، بعد فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق لتوحيد القوات ضمن عملية الانتقال المدني. ومنذ ذلك الحين، توسعت رقعة القتال لتشمل ولايات عدة، خصوصًا في دارفور والخرطوم، حيث تحولت المدن الكبرى إلى ساحات قتال مفتوحة.
وتشير التقارير الأممية إلى أن نحو 10 ملايين سوداني نزحوا بسبب الحرب، بينما يواجه أكثر من 25 مليونًا خطر الجوع ونقص الخدمات الأساسية، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في إفريقيا خلال العقود الأخيرة.
يرى محللون أن رفض البرهان للمقترح الأمريكي ليس مجرد موقف ميداني، بل رسالة سياسية مزدوجة إلى الداخل والخارج؛ داخليًا لتعزيز صورة الجيش كحامي للسيادة الوطنية، وخارجيًا للتأكيد على رفض الإملاءات الدولية. لكنّ استمرار الحرب دون أفق سياسي يهدد بتفكك ما تبقى من مؤسسات الدولة، وبتحول السودان إلى ساحة صراع إقليمي مفتوح بين القوى المتنافسة في القرن الإفريقي.