أعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا أن الرئيس السوري أحمد الشرع سيزور العاصمة الأميركية واشنطن في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض.
الزيارة، التي وُصفت بالتاريخية، تحمل في طيّاتها تحولاً سياسياً عميقاً في مسار العلاقات بين البلدين، إذ سيوقّع خلالها الرئيس السوري اتفاقية انضمام بلاده رسميًا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لتصبح سوريا عضوًا كاملاً في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة منذ عام 2014.
وتُعدّ هذه الزيارة الأولى من نوعها لرئيس سوري إلى البيت الأبيض منذ تأسيس الجمهورية السورية الحديثة، في حدث يعكس تحوّلًا جذريًا في المشهد الإقليمي بعد سقوط النظام السابق، وبداية مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين دمشق وواشنطن، عنوانها التعاون الأمني والعسكري المشترك.
إعادة بناء الجسور
تأتي هذه الخطوة في إطار سياسة إعادة بناء العلاقات الدولية لسوريا الجديدة، بعد سنوات طويلة من العزلة والعقوبات. فالحكومة الحالية تسعى لتثبيت شرعيتها على الساحة الدولية، والانخراط في تحالفات كبرى تُعيد لها موقعها ضمن المنظومة العالمية لمكافحة الإرهاب.
الانضمام إلى التحالف الدولي يحمل رمزية سياسية كبيرة، إذ يضع دمشق في موقع الشريك لا الخصم، ويمنحها اعترافًا دوليًا متقدّمًا. كما يعكس التزامًا واضحًا بالاستقرار الإقليمي ومكافحة التنظيمات المتطرفة، ويُرسل إشارة إلى المجتمع الدولي بأن سوريا الجديدة تسعى لتكون عنصر توازن لا مصدر تهديد.
الزيارة المرتقبة تتجاوز الطابع البروتوكولي، فهي تمهّد لجولة خامسة من المفاوضات السورية-الإسرائيلية بوساطة أميركية، تهدف إلى التوصل إلى اتفاق أمني حدودي قبل نهاية العام، ما يعكس عمق التحول في السياسة السورية الجديدة تجاه الانفتاح والتسوية.
مكاسب سياسية وأمنية
بالنسبة لدمشق، فإن الانضمام للتحالف لا يمثل مجرد اتفاق عسكري، بل مكسبًا استراتيجيًا. فالمشاركة في جهود مكافحة الإرهاب تمنح الحكومة الجديدة اعترافًا دوليًا متزايدًا، وتفتح الباب أمام رفع تدريجي للعقوبات وإعادة الإعمار. كما تتيح لسوريا الاستفادة من الدعم التقني والاستخباراتي الأميركي، في مواجهة ما تبقى من خلايا التنظيم داخل أراضيها.
وتقدّم سوريا، في المقابل، معلومات استخباراتية ميدانية دقيقة تُساهم في تنفيذ ضربات نوعية ضد بقايا التنظيم، مما يقلّل من الهجمات ويحمي المدنيين. هذا التعاون يعزز الثقة المتبادلة ويؤسس لمرحلة جديدة من التنسيق الأمني بين البلدين.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أشاد في مؤتمر صحفي بالرئيس السوري الجديد، مؤكدًا أن واشنطن «منحت سوريا فرصة جديدة» بعد رفع العقوبات عنها، وأن «الرئيس الشرع يعمل بجد ويقدّم نموذجًا مختلفًا عن الماضي».
تراجع دور “قسد” وتبدّل التحالفات
انضمام سوريا إلى التحالف الدولي يفتح الباب أمام تغييرات واسعة في موازين القوى داخل البلاد، وخصوصًا فيما يتعلق بدور قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي كانت الشريك الأساسي لواشنطن في حربها ضد تنظيم الدولة خلال السنوات الماضية.
فالتحالف مع دمشق يعني عمليًا نقل ملف مكافحة الإرهاب إلى الحكومة المركزية، مما يضعف الدور المستقل لـ“قسد”، ويجعلها أمام خيارين: الاندماج في وزارة الدفاع السورية أو الانحسار التدريجي.
كما أن الموقف التركي الداعم للتقارب السوري-الأميركي يعزّز هذا الاتجاه، إذ ترى أنقرة في الخطوة فرصة لإنهاء مشروع الإدارة الذاتية الكردية ودمج قواتها ضمن الجيش السوري، تماشيًا مع اتفاق العاشر من مارس/آذار 2025.
في المقابل، تنفي مصادر في واشنطن وجود نية لتعزيز الوجود العسكري الأميركي في سوريا، مشيرة إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تقليصًا تدريجيًا للقوات الأميركية، مع نقل المهام الأمنية إلى الجانب السوري ضمن إشراف محدود من التحالف.
شراكة أمنية جديدة
يتزامن هذا التحول مع تحركات دبلوماسية أوسع تشمل التعاون في مجالات التدريب والتجهيز وإعادة هيكلة الجيش السوري، إضافة إلى اتفاقات تتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب، ورفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية له.
التحالف الجديد بين دمشق وواشنطن يُتوقع أن يكون متعدّد الأبعاد، لا يقتصر على البعد العسكري، بل يشمل أيضًا التعاون الاقتصادي والإنساني، خاصة في ملفات إعادة الإعمار وتطوير البنى التحتية.
وزير الخارجية السوري أكّد أن زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن ستتناول هذه الملفات بعمق، مشيرًا إلى رغبة الحكومة السورية في «فتح صفحة جديدة» تقوم على الشراكة لا التبعية، والاستفادة من الدعم الدولي لإعادة بناء البلاد.
تحولات جذرية في خريطة المنطقة
يبدو أن هذا الانضمام يكرّس انتقال سوريا من موقع المواجهة إلى موقع الشراكة، ويعيد رسم التحالفات الإقليمية. فالتعاون السوري-الأميركي يغيّر من طبيعة المعادلة القائمة في الشمال الشرقي، ويضع حدًا لمرحلة طويلة من التناقضات الميدانية بين قوى محلية وإقليمية.
كما أن التنسيق العسكري بين تركيا وسوريا يشير إلى أن سيناريو القوة ضد “قسد” ما يزال مطروحًا، وإن كان مؤجلاً لحين انتهاء الترتيبات السياسية. فأنقرة تُفضّل الحل عبر التسوية، لكنها تُبقي الخيار العسكري قائمًا إذا فشلت المسارات الدبلوماسية.