أثارت تصريحات المسؤولين الألمان حول إعادة السوريين إلى بلادهم جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إلى مدينة حرستا بريف دمشق في 30 من تشرين الأول الماضي. وعبّر فاديفول عن صعوبة إعادة اللاجئين في الوقت الحالي، مشيراً إلى حجم الدمار الذي حل بالمنطقة منذ بداية الحرب عام 2011.
في المقابل، دعا عدد من القيادات السياسية داخل حزبه، “الاتحاد المسيحي الديمقراطي” (CDU)، إلى ترحيل السوريين الذين لم تعد لديهم أسباب لطلب اللجوء، معتبرين أن إعادة المواطنين إلى بلادهم ضرورية لإعادة إعمار سوريا. هذا الانقسام يعكس الخلافات الداخلية بين من يرون في العودة خطوة ضرورية لاستقرار البلاد ومن يعتبرون أن الظروف لا تزال غير مناسبة للترحيل على نطاق واسع.
خلفية الوضع السوري والألماني
ألمانيا كانت الدولة الأوروبية الأولى التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين السوريين خلال الحرب الأهلية، التي استمرت 14 عاماً، فيما يعيش اليوم نحو مليون سوري في البلاد. الحكومة الألمانية، تحت إدارة المستشار فريدريش ميرتس، ترى أن الحرب في سوريا انتهت بعد سقوط حكومة بشار الأسد في ديسمبر 2024، وأن اللاجئين الذين لم يعودوا بحاجة للحماية يجب أن يعودوا لإعادة بناء بلدهم.
من جانب آخر، لا تزال سوريا تعاني أزمة إنسانية كبيرة، إذ يعتمد نحو 70% من السكان على المساعدات الإنسانية، ما يجعل أي عملية ترحيل جماعية تحدياً كبيراً على المستوى الإنساني والقانوني. كما أن الواقع الميداني في مناطق كثيرة مثل حرستا لا يزال صعباً، مع تدمير كبير للبنية التحتية والمساكن، الأمر الذي يشكل عائقاً أمام العودة الكاملة للاجئين.
تفاصيل الانقسام السياسي في ألمانيا
تصريحات فاديفول أثارت انتقادات داخل حزبه، حيث طالب نائب زعيم الكتلة البرلمانية غونتر كرينغز بترحيل جميع السوريين المطلوبين لمغادرة البلاد، معتبراً أن الحديث عن صعوبة العودة بسبب الدمار “غير مناسب تماماً”، مؤكداً أن إعادة اللاجئين هي السبيل الوحيد لإعادة إعمار البلاد.
وفي السياق نفسه، شدد مارتن هوبر، الأمين العام للحزب الاجتماعي المسيحي (CSU)، على أن الأشخاص الذين انتهت أسباب لجوئهم يجب أن يعودوا إلى وطنهم، مؤكداً أن السوريين أنفسهم هم الأقدر على إعادة بناء البلاد. وأضاف أن المجرمين والأشخاص الذين انتهت صلاحية إقاماتهم سيتم ترحيلهم إلى سوريا، بالتزامن مع وضع استراتيجية رسمية لعودة اللاجئين بعد انتهاء الحرب.
وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت أكد أن الحكومة تعمل على تسهيل اتفاقيات مع السلطات السورية لتنفيذ عمليات الترحيل، بدءاً بالمجرمين. كما أعلن عن إعادة النظر في طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، مع إعطاء الأولوية للشباب القادر على العمل، وسحب حق اللجوء ممن عادوا إلى سوريا بعد الحصول على الحماية في ألمانيا.
جهود الحكومة الألمانية للترحيل ومخاطرها
دعا المستشار الألماني ميرتس الرئيس السوري أحمد الشرع إلى زيارة ألمانيا لمناقشة ملفات ترحيل السوريين من أصحاب السوابق الجنائية، مؤكداً أن الهدف هو تسهيل الترحيل بطريقة عملية، بالتوازي مع دعم استقرار سوريا. ميرتس أشار إلى أن الحرب انتهت، ولم تعد هناك أسباب للجوء في ألمانيا، وأن عودة السوريين ضرورية لإعادة إعمار البلاد.
لكن مواجهة هذا التوجه ليست سهلة، إذ تصاعدت المخاوف من قبل حزب "البديل من أجل ألمانيا" ذي التوجه اليميني، الذي يستغل ملف اللاجئين في حملاته الانتخابية ويجادل بأن الإسلام لا يتوافق مع المجتمع الألماني. بالمقابل، تُحذر الأمم المتحدة من أن الظروف في سوريا لا تسمح بعودة اللاجئين على نطاق واسع، ما يعقد أي خطة لترحيل جماعي.
الإجراءات العملية ورفض طلبات اللجوء
أوضح المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا (BAMF) أن تعليق البتّ في ملفات اللاجئين السوريين بدأ في ديسمبر 2024 وشمل الحالات العادية باستثناء من لديهم مشاكل أمنية أو أصحاب السوابق الجنائية. بدأت معالجة الطلبات الجديدة منذ سبتمبر 2025، مع التركيز على الشباب القادر على العمل والطلبات التي تجاوزت مدة الانتظار القصوى.
الاستشاري القانوني فادي موصلي أكد أن رفض طلبات اللجوء لا يرتبط بالانتماء الطائفي، وإنما بعدم إثبات وجود تهديد مباشر للمتقدم في حال العودة. وأشار طارق الأوس من منظمة PRO ASYL إلى أن اللاجئ يمكنه تقديم أسباب جديدة لطلب اللجوء أو استئناف القرار أمام المحاكم الألمانية خلال أسبوعين، مع مهلة 30 يوماً لمغادرة البلاد طوعياً، حيث لا يعني انتهاء المهلة تنفيذ الترحيل القسري بالضرورة، خاصة في ظل الوضع الأمني في سوريا.
الاستنتاج
يتضح أن القضية معقدة ومتعددة الأبعاد: بين ما يطالب به اليمين المحافظ في ألمانيا لترحيل السوريين، وبين الواقع الإنساني القاسي في سوريا، وبين الإجراءات القانونية التي تشرف عليها الحكومة الألمانية لضمان حقوق اللاجئين. بينما يسعى بعض المسؤولين إلى دفع السوريين للعودة، تظل الأزمة الإنسانية مستمرة، والواقع الميداني يجعل من أي ترحيل واسع خطوة محفوفة بالتحديات القانونية والإنسانية.
يبقى الحل الأمثل وفق المراقبين هو العودة الطوعية مع تقديم الدعم اللازم لإعادة الإعمار، بعيداً عن السياسات القسرية التي قد تثير المزيد من التوترات على المستوى الإنساني والسياسي.