دمشق والمقاتلين الأجانب.. حرب خفية على أطراف إدلب

2025.11.05 - 07:48
Facebook Share
طباعة

 أطلقت القوات الحكومية السورية حملة أمنية واسعة ضد تجمعات لمقاتلين أجانب في ريف إدلب الشمالي، في خطوة اعتبرت جزءًا من جهود دمشق لترسيخ نفوذها في المناطق المحاذية للحدود التركية. تأتي هذه العملية بعد سلسلة من التحركات الدبلوماسية التي قامت بها الحكومة السورية منذ نهاية سبتمبر الماضي، بما في ذلك المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وزيارة رسمية إلى روسيا، في محاولة لإعادة تنظيم المشهد الأمني والسياسي على الحدود الشمالية.

تثير هذه الحملة تساؤلات حول مدى تأثيرها على المجموعات الأجنبية العاملة في سوريا، والتي لطالما شكّلت نقطة حساسة في النزاع السوري، لا سيما في محافظة إدلب حيث تنتشر جنسيات مختلفة من الأوزبك والكازاخستانيين وغيرهم.


خلفية
تراجع وجود المقاتلين الأجانب في سوريا بدأ منذ عام 2018 مع تقلص المواجهات العسكرية وإطلاق مسار أستانة لخفض التصعيد، فضلاً عن تشكيل حكومة محلية أكثر قدرة على ضبط الأمن. وقد شملت أبرز المجموعات الأجنبية: الحزب الإسلامي التركستاني، الكتيبة الألبانية، كتيبة أنصار الإسلام، وكتيبة الإمام البخاري الأوزبكية، والتي كانت تتركز في ريفي إدلب وحلب.

الانحسار ازداد بعد اتفاقية سوتشي عام 2020 بين تركيا وروسيا التي نصت على وقف إطلاق النار شمال سوريا، حيث غادرت بعض مجموعات التركستان الأراضي السورية. وفي 2022، انتقلت مجموعات القوقاز إلى أوكرانيا للمشاركة في الحرب هناك. كما تراجع حضور المقاتلين العرب من السعودية والكويت والأردن بعد خروج أبرز الشخصيات المرجعية أو انخراطهم في النشاط التجاري أو العودة إلى بلدانهم.

مع تولي الحكومة السورية الجديدة السلطة مطلع 2025، بدأ التركيز على ضبط وتأطير المقاتلين الأجانب لتجنب إثارة حساسية دولية ولتفادي صدامات مع السكان المحليين بعد التوسع على كامل الأراضي السورية.


تفاصيل العملية
تركزت العملية الأخيرة على فرقة تعرف بـ"فرقة الغرباء"، بقيادة شخص أجنبي كان معروفًا سابقًا بمشاركته في أنشطة غير مشروعة وتم اعتقاله عدة مرات قبل الإفراج عنه بشروط. ووفق مصادر محلية، فإن الحملة الأمنية جاءت بعد أن رفض قائد الفرقة الاعتراف بالسلطة السورية وأنشأ محكمة غير رسمية داخل المخيم، حيث أصدر أحكامًا ضد السكان ومنع نساء من اصطحاب أطفالهن.

استطاع القائد استنفار بعض المقاتلين الأجانب، خاصة الأوزبك، محاولًا تصوير الحملة على أنها تستهدف جميع الأجانب. انتهت العملية بموافقة قائد الفرقة على الخضوع لقوانين الدولة السورية، وتفكيك المحكمة التي أنشأها، والتحاق عناصر الفرقة بالفرقة 84 ضمن الجيش السوري، المخصصة لاحتواء المقاتلين الأجانب.


التحليل والمآلات
إعادة تنظيم المقاتلين الأجانب تحت إشراف الجيش السوري تشير إلى رغبة الحكومة في احتواء هذه الفصائل وتقليل المخاطر الأمنية، دون اللجوء إلى حملات واسعة قد تزيد التوتر. ويأتي هذا التوجه بدعم من الولايات المتحدة، التي ترى دمج المقاتلين ضمن مشروع الدولة أفضل من إقصائهم، كما أظهر تجاوب بعض المجموعات مع الإجراءات الحكومية.

تحتوي الفرقة 84 الآن على مجموعات من التركستان والأوزبك وبعض المقاتلين السوريين، ويُفرض على أعضائها الابتعاد عن النشاط الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي. كما تواصل الحكومة السورية محادثات مع ممثلين عن المقاتلين الأوزبك بعد تصاعد التوتر إثر الحملة الأمنية، لتأكيد عدم تسليمهم إلى دولهم، مع الاحتفاظ بالخيار الأمني حال التمرد على السياسات الرسمية.

من المتوقع أن يزداد انحسار المقاتلين الأجانب مع استكمال بناء مؤسسات الجيش والأمن وتقليص الحاجة لاشتباك هذه المجموعات مع الملفات الأمنية. وقد يختار بعضهم الانخراط في حياة مدنية أو مغادرة سوريا إلى مناطق أخرى، في حين ستظل بعض الدول، مثل فرنسا والولايات المتحدة، تطالب بإبعاد الأجانب عن المناصب القيادية فقط.


الخاتمة
تُعد العملية الأمنية الأخيرة خطوة محورية في إعادة ترتيب المشهد العسكري والأمني شمال سوريا، خاصة قرب الحدود التركية. ومن شأنها ترسيخ نفوذ الحكومة السورية على المقاتلين الأجانب وتقليل التوترات المحتملة مع السكان المحليين، دون الإضرار بالعلاقات الدولية أو إثارة الصدامات الكبيرة. في الوقت ذاته، تعكس هذه الإجراءات حرص دمشق على دمج المقاتلين الأجانب في هيكلية الدولة، بما يضمن استقرار المناطق الحدودية، ويمنح الحكومة قدرة أكبر على التحكم في المشهد الأمني والسياسي شمال البلاد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1