أنقرة تعبر إلى الخليج عبر دمشق

2025.11.05 - 07:46
Facebook Share
طباعة

 
تتحرك تركيا بخطى متسارعة نحو إعادة رسم خريطة النقل والتجارة في المنطقة، بإطلاق مشروع ضخم لإحياء "طريق الشرق الأوسط"، الذي يربطها براً بالأردن ودول الخليج عبر الأراضي السورية، بعد أكثر من عقد على توقفه بفعل الحرب في سوريا.

وزير التجارة التركي عمر بولات أعلن رسميًا الأسبوع الماضي أن الممر الجديد سيبدأ عمله الكامل بحلول عام 2026، بعد استكمال الترتيبات الفنية وإزالة العوائق الإجرائية المتبقية، مؤكداً أن الطريق سيعيد الحياة لأحد أهم الشرايين التجارية التي ربطت بين شمال وشرق المتوسط والخليج لعقود.


شريان تجاري جديد يربط القارات
يوضح بولات أن الممر البري الجديد سيمكن الشاحنات التركية من العبور مباشرة عبر سوريا وصولًا إلى الأردن ودول الخليج، ما سيؤدي إلى تخفيض كبير في زمن وتكلفة النقل، ويعزز الترابط التجاري بين تركيا والعالم العربي بشكل لم تشهده المنطقة منذ عام 2010.

وبحسب الوزير التركي، فإن حركة مرور الشاحنات بدأت بالفعل بشكل محدود ضمن مرحلة تجريبية، يجري خلالها اختبار الإجراءات الجمركية والتأشيرات وتراخيص العبور، مع استمرار التنسيق بين أنقرة ودمشق لإزالة العقبات المتبقية.

وأكد بولات أن بلاده تسعى لأن يكون الطريق ممرًا استراتيجيًا يتجاوز دوره التجاري، إذ يمتد من أوروبا عبر الأراضي التركية مرورًا بسوريا والأردن والسعودية وصولًا إلى مصر، ليكون جسرًا بريًا عابرًا للقارات يعيد وصل الشمال بالجنوب.

وأشار إلى أن إعادة تفعيل هذا الخط التاريخي ستنعش المناطق التي يمر بها، وتعيد التوازن لحركة التجارة الإقليمية بعد سنوات من الاعتماد المفرط على المسارات البحرية. كما رحّبت الأردن بهذه الخطوة، معتبرة أن المشروع فرصة لزيادة حجم التبادل التجاري وتعزيز التكامل الاقتصادي مع تركيا والخليج.


تنفيذ مرحلي وتنسيق غير مسبوق
انطلق مشروع "طريق الشرق الأوسط" هذا العام عبر خطة تنفيذ تدريجية تتضمن تنسيقاً مباشراً بين أنقرة ودمشق، هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقد.

وقد توّج هذا المسار بتوقيع اتفاق رسمي بين وزيري النقل في البلدين في إسطنبول بتاريخ 28 يونيو/حزيران الماضي، ما سمح بإعادة فتح الممر البري أمام الشاحنات التركية بعد انقطاع دام 12 عاماً.


وتتواصل اليوم حركة محدودة للشاحنات التركية عبر الأراضي السورية باتجاه الأردن، في انتظار استكمال أعمال التحديث داخل سوريا، والتي تشمل:
إعادة تأهيل الطرق والجسور المتضررة بفعل الحرب.
تطوير نقاط التفتيش والمعابر الحدودية.
تبسيط الإجراءات الجمركية وأنظمة إصدار التأشيرات.

فرق فنية من الجانبين التركي والسوري تتابع العمل بشكل يومي لضمان توفير بيئة آمنة وفعالة لحركة البضائع، في حين حُددت سنة 2026 كموعد نهائي لتشغيل الطريق بكامل طاقته.


وتقسم الخطة التنفيذية إلى ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى (التجريبية) الجارية حالياً، وتشمل مرور محدود للشاحنات تحت إشراف مشترك.
المرحلة الثانية التي ستشهد رفع القيود المتبقية وإصلاح البنية التحتية وتسهيل إجراءات العبور.
المرحلة الثالثة والأخيرة، وتتوج بالافتتاح الرسمي الكامل للطريق وتشغيله الدائم.

ووفق تقديرات الجهات التركية، فإن الممر بعد اكتماله سيكون قادراً على استيعاب مئات الشاحنات يوميًا، مما يخفف الضغط عن النقل البحري والجوي، ويتيح بديلاً أسرع وأقل كلفة للوصول إلى عمق الأسواق العربية.


فوائد اقتصادية وموقع استراتيجي
يرى خبراء اقتصاديون أن هذا المشروع سيشكل نقطة تحول جوهرية في التجارة الإقليمية، إذ سيخفض كلفة الشحن ويسرّع زمن الوصول، ما يمنح المنتجات التركية قدرة تنافسية كبيرة في الأسواق الخليجية والعربية.

فبدلاً من أن تستغرق الشحنات البحرية ما يقارب الشهر للوصول إلى الخليج، ستتمكن الشاحنات التركية من تحقيق ذلك خلال أقل من أسبوع، مع انخفاض في كلفة النقل بنسبة تصل إلى 40%.

ويؤكد اقتصاديون أن الطريق الجديد يمنح أنقرة فرصة لتقليل اعتمادها على المسارات البحرية المعرضة للأزمات الدولية، ويعزز دورها كمركز عبور رئيسي بين أوروبا والخليج وآسيا. كما يكرس موقعها كـ"محور لوجستي إقليمي" قادر على جذب الاستثمارات وتوسيع حركة الصادرات.


انعكاسات إقليمية وتحديات محتملة
لا تقتصر أهمية المشروع على تركيا وحدها، بل تمتد تأثيراته إلى الموانئ العربية الكبرى في جدة والشارقة وصُحار والعقبة، التي قد تواجه تحديًا تنافسيًا نتيجة تقليص مدة وتكلفة الشحن عبر الطريق الجديد.

إلا أن هذا التحدي يمكن أن يتحول إلى فرصة تكاملية من خلال تطوير شبكة نقل متعددة الوسائط تربط الموانئ الخليجية بالممرات البرية المتجهة شمالًا إلى أوروبا، مما يعزز حركة إعادة التصدير والخدمات اللوجستية.

ويرى مراقبون أن نجاح المشروع سيعيد رسم خريطة التجارة في الشرق الأوسط، ويمنح تركيا والأردن وسوريا دورًا محوريًا في حركة البضائع الإقليمية، مع إمكانية تحويل الطريق إلى محور للتكامل الاقتصادي العربي-التركي على المدى البعيد.


نحو خريطة جديدة للنقل الإقليمي
في الوقت الذي تتغير فيه موازين القوى الاقتصادية في الشرق الأوسط، يمثل "طريق الشرق الأوسط" رمزًا لعودة التواصل الإقليمي بعد سنوات من الانقسام. فأنقرة تراهن على هذا الممر ليس فقط كوسيلة للنقل، بل كجسر لإعادة بناء الثقة وتعزيز التعاون الاقتصادي مع جوارها العربي.

ومع اقتراب موعد تشغيله الكامل في عام 2026، يبدو أن الطريق الذي توقف بفعل الحرب يعود ليشكل من جديد شريانًا نابضًا بين الشمال والجنوب، وركيزة لمستقبل تجاري أكثر انفتاحًا في المنطقة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 3