هندسة الاحتلال: كيف يفرض الخط الأصفر سيطرته على القطاع؟

2025.11.04 - 08:54
Facebook Share
طباعة

الخط الأصفر في قطاع غزة يمثل أداة إسرائيلية لإعادة هندسة الواقع الأمني والديمغرافي في المناطق الواقعة ضمنه منذ دخول وقف إطلاق النار قبل ثلاثة أسابيع، تنفذ إسرائيل عمليات عسكرية داخل هذا الخط الذي يقضم نحو نصف مساحة القطاع، عبر تفجيرات للمنازل والبنية التحتية، وإقامة مناطق مراقبة ومناطق عازلة تمنع السكان من العودة إليها.
هذه العمليات تهدف إلى فرض واقع ميداني قبل أي تسوية سياسية محتملة، وتحويل الأراضي إلى شريط رمادي خاضع للسيطرة العسكرية.

تتضمن الاستراتيجية الإسرائيلية وضع علامات ميدانية لتقييد حركة السكان، وإقامة مكعبات إسمنتية لتحديد مناطق النفوذ، إلى جانب تنفيذ عمليات جوية ضد مواقع محددة بحجة حماية الجنود أو معالجة ملفات أمنية وتستهدف هذه الإجراءات تفتيت البنية السكانية والجغرافية السابقة، مما يخلق نموذجاً جديداً للتحكم بالمجتمع الفلسطيني داخل الخط الأصفر، حيث تصبح العودة إلى المناطق المحررة شبه مستحيلة أو مرتبطة بالسيطرة الإسرائيلية.

الخط الأصفر لا يمثل مجرد انسحاب تكتيكي مؤقت، بل وسيلة لترسيخ السيطرة على المناطق المفتوحة، وإنشاء شبكة مراقبة مستمرة تمنع إعادة بناء القوة العسكرية للمقاومة هذه السيطرة تتجاوز الجانب العسكري لتطال البنية السكانية والمعمارية، ما يتيح لإسرائيل ممارسة ضغط مستمر على السكان، وإعادة ترتيب نقاط المراقبة وأهداف الضربات دون مواجهة مباشرة.

يرى خبراء أن الهدف متعدد الأبعاد، إذ يشمل منع إعادة تنظيم المقاومة، وخلق شريط عازل عملي حول مناطق السيطرة، واستغلال فترات الهدوء لترسيخ نقاط مراقبة جديدة وتحسين القدرات الميدانية.

في المقابل، تسعى إسرائيل إلى خلق نموذجين متباينين للديمغرافيا في غزة: الأول داخل الخط الأصفر، حيث تخضع البنية للتعديل بما يتوافق مع السيطرة العسكرية، والثاني في المناطق خارج الخط، حيث تُترك الخدمات الأساسية ضعيفة لتكون بيئة طاردة للسكان، مما يزيد من الاعتماد على الاحتلال ويضعف فرص الاستقرار المحلي. هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحويل المراحل المؤقتة إلى واقع دائم، بما يضمن استمرار الهيمنة الإسرائيلية على الأرض، وفرض القيود على الحركة السكانية وإعادة البناء.

الخط الأصفر يشكل بذلك مرحلة جديدة من الاحتلال الجزئي، حيث يُحوّل مساحة كبيرة من غزة إلى مناطق مراقبة وتحكم مستمر، ويُعيد رسم الحدود الداخلية بطريقة غير معلنة، تهدف إلى تعزيز السيطرة الأمنية والعسكرية، وتقليل قدرة الفلسطينيين على إعادة بناء البنية التحتية للمقاومة.
هذا النهج يعكس تحول السيطرة الإسرائيلية من إجراءات تكتيكية مؤقتة إلى استراتيجية طويلة المدى لضمان بقاء الهيمنة مستمرة وإعادة هندسة الواقع داخل القطاع وفق مصالح الاحتلال. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 8