منذ سقوط بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، شهدت المناطق الجنوبية لسوريا سلسلة من التوغلات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة، وفقاً لمنظمات حقوقية، التي تشير إلى تسجيل 314 توغلاً حتى تشرين الثاني 2025. تراوحت هذه التوغلات بين عمليات عسكرية، اعتقالات تعسفية، تفتيشات دقيقة، ومداهمات للمنازل، شملت مختلف مناطق ريفي درعا والقنيطرة، بالإضافة إلى مواقع قريبة من الجولان المحتل.
بدأت التحركات الإسرائيلية في كانون الأول 2024 بزيادة ملحوظة في عدد التوغلات، تضمنت التفتيشات العشوائية، إنشاء حواجز مؤقتة، ومراقبة المناطق الاستراتيجية. استمرت هذه الإجراءات على مدار الأشهر التالية، مما أضاف توترات جديدة وأدى إلى تصعيد واضح في العمليات الميدانية، خصوصاً قرب الحدود السورية-الإسرائيلية.
تركز النشاط الإسرائيلي بشكل رئيسي على ريفي القنيطرة ودرعا، حيث شملت التوغلات انتشار القوات على الطرق الرئيسية، إقامة نقاط تفتيش، توغل مدفعي، تحليق للطائرات الاستطلاعية والطائرات المسيّرة، وعمليات تفخيخ وتجريف في مواقع استراتيجية. وعلى الرغم من أن بعض التوغلات استهدفت مناطق غير مأهولة، إلا أن السكان المحليين تكبدوا آثارها المباشرة، بما في ذلك الاعتقالات المستمرة والحصار العسكري.
وشهد الجنوب السوري خلال الشهرين الماضيين تصعيداً واضحاً في العمليات الإسرائيلية، إذ اعتمد العدو تكتيكات متعددة شملت المراقبة الجوية، التوغلات الميدانية المكثفة، الأعمال الهندسية، وإقامة نقاط تفتيش على الطرق الرئيسية في محافظتي القنيطرة ودرعا، بما فيها طريق السدود قرب سدّ البريقة. وتأتي هذه التحركات ضمن استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تقييد حركة السكان والسيطرة على الموارد المائية الحيوية، والتي تعتبر ركيزة أساسية في مخطط الاحتلال الإسرائيلي.
اللافت في الفترة الأخيرة هو ازدياد عدد نقاط التفتيش، حيث بلغ عددها في القنيطرة خلال شهر أيلول الماضي أكثر من 35 نقطة، تخضع خلالها السيارات والمارة لتفتيش دقيق يشمل تصوير البيانات الشخصية، وطرح أسئلة ذات طابع أمني، وإجبار المارّين على الانتظار لساعات طويلة في ظروف مهينة. وترافق ذلك مع اعتقالات تعسفية لسكان من عدة قرى، سواء لفترات قصيرة أو أطول، بهدف جمع المعلومات الاستخباراتية.
وبحسب المعلومات، تجاوز عدد المعتقلين السوريين 46 شخصاً، بينهم قاصرون، اعتُقلوا بذريعة تطبيق قانون "المقاتل غير الشرعي"، وهو إطار قانوني إسرائيلي تم المصادقة عليه عام 2002 لأسباب سياسية وأمنية، واستُخدم فيما بعد ضد الفلسطينيين والسوريين. يسمح هذا القانون باحتجاز الأفراد لفترات غير محددة دون لائحة اتهام أو محاكمة، مع منع المنظمات الدولية من الاطلاع على وضعهم.
يشير الحقوقي الفلسطيني خالد محاجنة، المختص بحقوق الأسرى، إلى أن "عشرات المعتقلين السوريين واللبنانيين محتجزون بلا تهم واضحة، في ظروف قاسية وغير إنسانية، بما فيها العزل في زنازين سرية تحت الأرض داخل سجن الرملة، حيث تُراقب أدق تحركاتهم ويُمنعون من التحدث حتى أثناء جلسات المحاكمات".
وتروي شهادات العائلات معاناة المعتقلين، حيث اعتُقل الشابان محمد ومحمود مريود (18 عاماً) في أوفانيا بالقنيطرة بعد تهديد الاحتلال باعتقال جدّهما بدلاً منهما، وما زالا رهن الاعتقال حتى اللحظة. وأوضح أحد أقارب المعتقلين أن "الصليب الأحمر أبلغ العائلة بنقلهما إلى مستشفى نهاريا لتلقي العلاج بعد إصابتهما، وأنهما يخضعان للتحقيق منذ شهر من دون تفاصيل إضافية".
شهادات أخرى تروي حالات مشابهة، مثل والد الشاب و.ب. من طرنجة بالقنيطرة، الذي اعتُقل ابنه في 13 حزيران 2025 من حاجز إسرائيلي، ولم تُعرف أي معلومات عنه منذ ذلك الوقت. وأشار إلى أن المحاولات للتواصل مع الصليب الأحمر والأجهزة الدولية لم تُثمر، قائلاً: "كل ما نريده هو سماع أصواتهم أو عودتهم إلى منازلهم".
تؤكد هذه الحالات أن الاحتلال الإسرائيلي يبرر الاعتقالات بذريعة ارتباط المعتقلين بعمليات إرهابية ضد إسرائيل، بينما الواقع يظهر أنهم مدنيون، يعملون في الزراعة ومهن بسيطة، ولم يعد هناك أي دعم لنظام الأسد السابق أو لفصائل مسلحة إيرانية بعد سقوطه. وتكشف الشهادات أيضاً أن الاحتلال يستخدم هذه الحجج للحفاظ على حالة التوتر وفرض سيطرته على المناطق الجنوبية.