مالي تواجه خطر التحوّل إلى أول دولة تُدار بالكامل من تنظيم إرهابي

2025.11.03 - 12:03
Facebook Share
طباعة

تعيش مالي، الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، على وقع أخطر مراحل تاريخها الحديث، مع اقتراب مسلحي تنظيم القاعدة من الاستيلاء على العاصمة باماكو، في تطورٍ ينذر بتحوّل البلاد إلى أول دولة في العالم تُدار فعليًا من قبل جماعة مرتبطة مباشرة بالتنظيم الإرهابي.

ويأتي هذا التقدم السريع للجهاديين في سياق توسع نفوذ الجماعات الإسلامية في إفريقيا بعد تجارب مماثلة في أفغانستان وسوريا، إلا أن نجاح القاعدة في السيطرة على باماكو سيُعدّ سابقة عالمية غير مسبوقة.

 


حصار خانق وقطع الإمدادات

وفق تقارير أمنية غربية وأفريقية، تُحكم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين – فرع القاعدة في الساحل – حصارًا تدريجيًا على العاصمة، إذ تمنع وصول الغذاء والوقود إلى باماكو، ما تسبب في نقص حاد بالسلع الأساسية وأضعف قدرة الجيش على التحرك.

وقال الخبير في معهد أبحاث السياسة الخارجية بواشنطن، رافائيل بارينز، إن “كلما طال الحصار اقتربت باماكو من الانهيار”، مشيرًا إلى أن الجماعة تراهن على استنزاف النظام بدلًا من شن هجوم مباشر.

يوم الثلاثاء الماضي، نصب المسلحون كمينًا لشاحنات تنقل الوقود إلى العاصمة، حيث أُحرقت الشاحنة الأولى وصودرت بقية القافلة، بينما عجزت القوات الحكومية عن التدخل بسبب نقص الوقود، وفق لقطات وتحقيقات ميدانية.

 

الأزمة الاقتصادية تتفاقم

تحوّل الوقود إلى محور الصراع. إذ ارتفع سعر لتر البنزين في باماكو إلى 2000 فرنك إفريقي (نحو 3.5 دولارات)، في وقتٍ يضطر فيه المواطنون للانتظار أيامًا للحصول على البنزين.

أغلقت الحكومة بعض محطات الطاقة والمدارس لمدة أسبوعين، بينما صرّح رئيس الوزراء عبد الله مايغا قائلاً: “حتى لو اضطررنا للبحث عن الوقود سيرًا على الأقدام أو بالملعقة، فسنبحث عنه”.

 

صعود القاعدة في غرب إفريقيا

تُعد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي تأسست عام 2017 إثر اندماج تنظيمات تابعة للقاعدة، رأس الحربة في تمدد التنظيم الإرهابي عبر منطقة الساحل.
وقد حصل مقاتلوها على دعم لوجستي وتدريبي مباشر من قيادة القاعدة في أفغانستان وباكستان.

ويخوض مقاتلو القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية معارك موازية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بينما يتجه التهديد جنوبًا نحو بنين وساحل العاج وتوغو وغانا، في مسعى لإحكام السيطرة على منطقة خليج غينيا.

ويرى مسؤولون غربيون أن مالي تبدو الأقرب للسقوط بين دول الساحل، بفضل موقعها ومساحتها الشاسعة التي تعادل ثلاثة أضعاف مساحة ولاية كاليفورنيا الأمريكية.

 

من مغني روك إلى زعيم جهادي

يقود التمرد في مالي إياد أغ غالي، أحد أبرز المطلوبين دوليًا، والذي تحوّل من مغنٍ معروف إلى زعيم متشدد بعد انضمامه إلى القاعدة.
يحظر غالي الموسيقى في المناطق التي يسيطر عليها، وتتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

بدأ التمرد في 2012، وتمكن غالي من توسيع سيطرته من شمال البلاد حتى حدود العاصمة.
ورغم تدخلات القوات الأجنبية المدعومة من الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة، فشلت جميعها في وقف زحفه.

 

الانقلابات وفشل الحلفاء

شهدت مالي خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الانقلابات العسكرية أطاحت بالحكومة المدنية عام 2020، ثم بقائد الانقلاب نفسه عام 2021.
أطاح المجلس العسكري بالقوات الفرنسية واستعان بمرتزقة فاغنر الروس، لكن وجودهم لم يغيّر المعادلة الأمنية، بل أدى إلى حملات انتقام ضد السكان دفعت بعضهم للانضمام إلى صفوف القاعدة أو الاحتماء بها.

ويرى خبراء أن سقوط النظام في المدى القريب غير مرجّح، لأن السيطرة على المدن الكبرى ستكون معركة معقدة، لكن تآكل النظام من الداخل يفتح الباب أمام سيناريو شبيه بأفغانستان عام 2021.


نموذج طالبان يلوح في الأفق

تعتبر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أن تجربة طالبان في كابول نموذج يُحتذى به، إذ تسعى إلى إنهاك الدولة وإجبار مؤسساتها على الانهيار من الداخل قبل دخول العاصمة دون مقاومة.
وبينما تتواصل أزمة الوقود والشلل الإداري في باماكو، تبدو مالي اليوم على أعتاب تحول تاريخي قد يجعلها أول دولة في العالم تقع بالكامل تحت إدارة تنظيم القاعدة.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 5