في خطوة أثارت جدلاً دبلوماسياً واسعاً، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أمله في توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم لتشمل المملكة العربية السعودية، مؤكداً في مقابلة مع شبكة "سي بي إس" أنه "يعتقد أن ولي العهد سينضم"، في إشارة إلى محمد بن سلمان.
تصريحات ترامب، التي جاءت ضمن برنامج "60 دقيقة"، لم تتوقف عند حدود الدعوة إلى التطبيع، بل حملت رسائل سياسية متعددة، حين كشف أنه كان "يدفع" رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نحو اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، مضيفاً أنه "لم يكن راضياً عن بعض تصرفاته"، لكنه أكد أنه "عمل معه جيداً للغاية".
ورغم إشارته إلى أن "الولايات المتحدة دمّرت إيران ثم توقفت"، فإن ترامب عاد للتلميح إلى إمكانية "القضاء على حماس فوراً إن لم تتصرف بشكل جيد"، في تعبير يعكس استمرار نهجه القائم على المقاربة العسكرية في إدارة ملفات الشرق الأوسط.
سياسياً، يعيد تصريح ترامب تسليط الضوء على الملف السعودي بوصفه الحلقة الأكثر حساسية في مسار التطبيع العربي مع إسرائيل. فبينما ترى واشنطن أن ضمّ الرياض إلى "اتفاقيات إبراهيم" سيشكّل إنجازاً استراتيجياً يفتح الباب أمام تحالفات اقتصادية وأمنية أوسع، تبدي أوساط سعودية وإقليمية حذراً واضحاً من خطوة كهذه، في ظل غياب أي أفق واضح لتسوية القضية الفلسطينية.
عودة ترامب إلى الخطاب التطبيعي في خضمّ حملته الانتخابية تحمل رسالة مزدوجة: من جهة محاولة لاستثمار إنجازاته السابقة في السياسة الخارجية، ومن جهة أخرى إعادة رسم التحالفات الشرق أوسطية وفق مقاربة "الصفقات" التي ميّزت فترته الرئاسية الأولى.
اتفاقيات وُلدت في لحظة تحوّل إقليمي
تعود اتفاقيات إبراهيم إلى عام 2020، حين رعت إدارة ترامب أولى خطوات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، هي الإمارات والبحرين ثم المغرب والسودان لاحقًا، في إطار رؤية أمريكية هدفت إلى إعادة هندسة خريطة التحالفات الإقليمية عبر تجاوز الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كشرطٍ مسبقٍ للتقارب مع تل أبيب.
وقدّمت تلك الاتفاقيات حينها مكاسب اقتصادية وأمنية مباشرة للدول المنخرطة فيها، لكنها أثارت في المقابل انقسامات عربية عميقة بين من رأى فيها فرصة للسلام والاستقرار، ومن اعتبرها التفافًا على القضية الفلسطينية وتطبيعًا مجانيًا مع الاحتلال.
اليوم، ومع عودة ترامب إلى واجهة المشهد السياسي الأمريكي، يبدو أن الملف الإسرائيلي – العربي يعود بدوره إلى دائرة الاستثمار الانتخابي، إذ يسعى ترامب لاستعادة رصيده الدبلوماسي عبر إعادة إطلاق مشروعه الشرق أوسطي تحت عنوان "توسيع اتفاقيات إبراهيم"، في توقيتٍ حساس تشهد فيه المنطقة حروبًا مفتوحة وتبدلات في ميزان القوى من غزة إلى البحر الأحمر.
وبين التفاؤل الأمريكي والحذر السعودي، تبقى الواقعية السياسية هي الحكم: فكل مسار تطبيعي لا يُرفق بخطوة حقيقية نحو حلّ عادل للقضية الفلسطينية، سيظلّ مشروعًا هشًّا قابلًا للانهيار مع أول اختبار ميداني.