ما حقيقة ما جرى في اجتماع ادلب؟

2025.11.02 - 09:30
Facebook Share
طباعة

 نفى مسؤولون سوريون صحة ما أوردته وكالة “رويترز” عن أن الرئيس السوري أحمد الشرع أمر موظفين مدنيين بتسليم مفاتيح سياراتهم الفارهة أو مواجهة تحقيقات في “مكاسب غير مشروعة”، مؤكدين أن الاجتماع الذي جرى في إدلب كان إيجابياً وودياً، وتمحور حول الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد.

وقال مدير الشؤون السياسية في ريف دمشق، أحمد محمد ديب طعمة، في منشور على منصة “إكس” بتاريخ 31 تشرين الأول، إن تقرير “رويترز” تضمن “معلومات مغلوطة ومبالغات لا تمت للحقيقة بصلة”. وأضاف: “حضرت الاجتماع كاملًا، ولم أسمع أي توجيه يتعلق بسيارات فارهة أو مصادرة مفاتيح. للأسف سيارتي قديمة وتوقفت عن العمل في ذلك اليوم، وعدت إلى دمشق بسيارة أحد الأصدقاء”.

وأوضح طعمة أن الجلسة “بدأت بحديث ودي للرئيس حول ذكريات الماضي، ثم تناولت تحديات الحاضر ورؤيته لمستقبل سوريا، وتضمنت نصائح أبوية للحاضرين حول أهمية التواضع والابتعاد عن أخطاء السلطة السابقة”. وأشار إلى أن الشرع شدد خلال اللقاء على “ضرورة الحفاظ على مكاسب الثورة السورية، والابتعاد عن المظاهر التي تسيء لصورة الدولة الجديدة”.


وزير سابق: الاجتماع كان بناءً وطُرحت فيه توجيهات إصلاحية
من جانبه، أكد وزير الاتصالات السابق في حكومة الإنقاذ، حسين المصري، الذي حضر الجلسة، أن ما ورد في تقرير “رويترز” “غير دقيق إطلاقاً”، موضحاً أن اللقاء كان “مطولاً وإيجابياً”.

وقال المصري في منشور عبر “فيسبوك” إن الجلسة “تضمنت وصايا وتوجيهات عامة حول الوضع السياسي والإداري، وشملت تأكيداً على عدم مزاحمة المستثمرين وتسهيل عمل القطاع الخاص”. وكشف أن الشرع وجّه بتشكيل لجنة لجرد أملاك وأموال المسؤولين “ضمن إطار الشفافية لا التوبيخ”، بحسب تعبيره.


رواية “رويترز” المثيرة للجدل
وكانت وكالة “رويترز” قد نشرت تقريراً في 31 تشرين الأول، ذكرت فيه أن الرئيس الشرع عقد اجتماعاً في مقره بإدلب بتاريخ 30 آب الماضي، بحضور مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى، وأمر خلاله بعض الموظفين الذين يملكون سيارات فارهة من طراز “كاديلاك إسكاليد” و”رانج روفر” و”شيفروليه تاهو” بتسليم مفاتيحها فوراً، تحت طائلة التحقيق بتهم “مكاسب غير مشروعة”.

ونقلت الوكالة عن شهود حضروا الاجتماع أن بعض المفاتيح سُلّمت فعلاً، إلا أن وزارة الإعلام السورية نفت لاحقاً هذه الرواية، مؤكدة أن “الاجتماع كان ودياً وغير رسمي، تناول ملفات سياسية وأمنية، وركز على تغيير ثقافة الاستثمار والابتعاد عن ممارسات النظام السابق”.

وقالت الوزارة إن الرئيس الشرع “شدد على رفض الفساد وضرورة بناء مؤسسات نزيهة”، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنه “لم يصدر أي توجيه يتعلق بمصادرة سيارات أو ممتلكات شخصية”.


خلفية التوتر ومطالب بمكافحة الفساد
يأتي الجدل في أعقاب لقاء شعبي عقده الرئيس الشرع مطلع آب الماضي، تلقّى خلاله شكاوى من مواطنين حول “مظاهر الثراء المفاجئ” لبعض الموظفين والمسؤولين الذين كانوا في صفوف المعارضة سابقاً.

وفي 12 تشرين الأول، بثّت الوكالة السورية للأنباء (سانا) تسجيلاً مصوراً للرئيس دعا فيه المسؤولين إلى الكشف عن استثماراتهم الخاصة ومنعهم من الدخول في مشاريع جديدة أو إقامة علاقات تجارية مع رجال أعمال، قائلاً إنه “لا يريد تكرار نموذج الحكم السابق الذي كرّس المحسوبية والفساد”.

ورغم هذه التوجيهات، نقلت “رويترز” عن تسعة رجال أعمال ومسؤولين حاليين وسابقين قولهم إن الفساد لا يزال موجوداً، مشيرين إلى دفع “رشاوى غير موثقة” للإفراج عن معتقلين أو استعادة ممتلكات صودرت بعد سقوط النظام السابق.

وفي المقابل، أكدت وزارة الإعلام السورية أن هذه الحالات “محدودة ومعزولة”، وأن “المتورطين أُحيلوا إلى التحقيق الفوري”، مشددة على أن الحكومة “تعتمد سياسة شفافة في محاربة الفساد بكل أشكاله”.


خلاف داخل عائلة الشرع
الملف لم يتوقف عند حدود المسؤولين المدنيين، إذ امتد إلى داخل عائلة الرئيس الشرع نفسها.
فبينما يشغل شقيقاه حازم وماهر مناصب وزارية رفيعة، تم استبعاد شقيقه الأكبر جمال الشرع من المشهد العام بعد اتهامات باستغلال اسمه العائلي لتحقيق مكاسب مالية.

ووفق ستة مصادر مطلعة، أنشأ جمال مكتباً في دمشق لإدارة مشاريع في مجالات السياحة والاستيراد والتصدير، وكان يستخدم سيارات فاخرة ويتردد على أماكن عامة راقية، إلى أن أصدر الرئيس الشرع في آب الماضي قراراً بإغلاق مكتبه ومنع التعامل معه حكومياً.

وأكدت وزارة الإعلام أن جمال “لا يشغل أي منصب رسمي ولم يُسمح له بممارسة أي نشاط تجاري”، دون الإشارة إلى توجيه اتهامات قضائية بحقه. وأفاد أحد أقرباء الرئيس بأن الشرع عقد اجتماعاً عائلياً بعد الحادثة، حذر خلاله أفراد الأسرة من “استغلال اسم العائلة لتحقيق مصالح شخصية”.


تحقيقات في “الصندوق السيادي”
وفي سياق مكافحة الفساد، أكدت مصادر حكومية واقتصادية أن الحكومة السورية اعتقلت محاميين يعملان في الصندوق السيادي الوطني، الذي يضم مئات الشركات والمباني والمصانع التي كانت تابعة لشخصيات مقربة من النظام السابق، وذلك في إطار تحقيقات بقضايا “اختلاس وسوء إدارة”.

وقالت وزارة الإعلام إن أحد المحامين محتجز منذ أكثر من شهر “للاشتباه في تورطه بسرقة لم تثبت بعد”، كما يخضع عدد من أعضاء لجنة التسويات مع رجال النظام القديم للتحقيق في “شبهات سوء سلوك”، دون صدور مذكرات توقيف رسمية بحقهم حتى الآن.


بين الشفافية والتشكيك
وبينما تؤكد الحكومة الجديدة أن حملتها ضد الفساد تشمل الجميع دون استثناء، يرى محللون أن استمرار التقارير الدولية حول شبهات فساد “يعكس فجوة في التواصل بين الحكومة والمؤسسات الإعلامية العالمية”، داعين إلى تعزيز الشفافية ونشر نتائج التحقيقات للرأي العام لتثبيت الثقة بالمرحلة الجديدة.

ويؤكد مراقبون أن إدارة الشرع تسعى إلى ترسيخ نموذج حكم قائم على النزاهة والمساءلة، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً أمام القضاء على إرث الفساد المتجذر الذي خلّفه النظام السابق على مدى عقود.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 7