تشهد مناطق متفرقة من قطاع غزة تصعيدًا عسكريًا جديدًا، تمثل في عمليات نسف واسعة وقصف جوي ومدفعي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم الأحد، مستهدفا مدينتي خان يونس ورفح جنوب القطاع، إلى جانب مدينة دير البلح وسطه، في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية مع اقتراب فصل الشتاء.
وأفادت مصادر ميدانية بأن القوات الإسرائيلية نفذت عمليات نسف متزامنة مع قصف مدفعي مكثف شرق خان يونس، ما أدى إلى دمار واسع في الأحياء السكنية والبنى التحتية، وتسبب في نزوح عشرات العائلات من المنطقة.
كما طالت الغارات الإسرائيلية أهدافًا في محيط دير البلح ورفح، ترافقت مع قصف مدفعي متواصل باتجاه المناطق الشرقية من القطاع، بينما لا تزال أصوات الانفجارات تُسمع بشكل متقطع منذ ساعات الفجر الأولى.
وأشارت التقارير إلى أن جيش الاحتلال نفذ عمليات نسف ضخمة في شرق خان يونس فجر اليوم، استُخدمت فيها كميات كبيرة من المتفجرات لتدمير ما وصفه بـ«أنفاق ومواقع تحت الأرض»، ما أسفر عن أضرار جسيمة في المناطق المدنية المحيطة.
كارثة إنسانية
تأتي هذه التطورات في وقت يتزايد فيه القلق من تفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها سكان القطاع، الذين يواجهون أزمة غير مسبوقة مع قرب فصل الشتاء، في ظل استمرار القيود المفروضة على إدخال المساعدات والإمدادات الأساسية.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إن كميات ضخمة من المواد الإغاثية الشتوية، تكفي لتلبية احتياجات نحو مليون شخص، ما تزال مكدّسة في المستودعات خارج القطاع بسبب القيود الإسرائيلية على إدخالها.
وأضافت الوكالة أن التأخير في السماح بدخول هذه المواد يهدد حياة مئات الآلاف من النازحين الذين يعيشون في مخيمات مؤقتة بلا مقومات أساسية للحياة.
من جانبه، أوضح المهندس علاء الدين البطة، رئيس بلدية خان يونس ونائب رئيس اتحاد بلديات قطاع غزة، أن نحو 900 ألف نازح يعيشون في ظروف بالغة القسوة داخل المخيمات، مع نقص حاد في الخيام، ومواد البناء، ومستلزمات الإيواء.
وأشار إلى أن البلديات تواجه صعوبات كبيرة في توفير الخدمات الأساسية، خصوصًا المياه والصرف الصحي، في ظل غياب الوقود وقطع الغيار الضرورية لتشغيل المعدات الثقيلة.
وأكد البطة أنه لا توجد أي تحركات ملموسة لتخفيف المعاناة اليومية للسكان، مشيرًا إلى أن الوضع يتطلب تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي لإدخال المواد الأساسية اللازمة لإعادة تأهيل البنى التحتية المنهارة.
قيود على المساعدات وشح في الإمدادات الطبية
في سياق متصل، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن عدد الشاحنات التي دخلت القطاع بين 10 و31 تشرين الأول الماضي بلغ نحو 3200 شاحنة، بمعدل يومي لا يتجاوز 145 شاحنة من أصل 600 يُفترض دخولها وفق التفاهمات الدولية.
وتضمنت هذه الشحنات 293 شاحنة محمّلة بالمواد الغذائية، و220 شاحنة تحمل بضائع متنوعة، إضافة إلى كميات محدودة من المحروقات والمستلزمات الصحية.
وأشار البيان إلى أن الاحتياجات الفعلية للقطاع تفوق بكثير ما يُسمح بإدخاله، ما ينعكس مباشرة على الأوضاع المعيشية والصحية، ويزيد من معدلات الفقر والبطالة بين السكان.
بدوره، أكد المدير العام لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، الدكتور منير البرش، أن الاحتلال يواصل منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، محذرًا من انهيار المنظومة الصحية بالكامل.
وقال البرش إن القيود الإسرائيلية تشمل كذلك منع دخول الوفود الطبية والمنظمات الدولية إلى القطاع، ما يعقّد جهود إنقاذ الجرحى وتقديم الخدمات الصحية للمصابين والمرضى.
اتفاق وقف إطلاق النار هشّ رغم سريانه
وكان اتفاق وقف إطلاق النار قد دخل حيّز التنفيذ في العاشر من تشرين الأول الماضي، استنادًا إلى خطة طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تضمنت وقفًا شاملاً للعمليات العسكرية، وانسحابًا تدريجيًا للجيش الإسرائيلي، وإطلاقًا متبادلًا للأسرى، إلى جانب تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
لكن رغم سريان الاتفاق، سجّلت منظمات حقوقية عشرات الخروقات الإسرائيلية خلال الأسابيع الماضية، تمثلت في غارات وقصف متفرق أسفر عن مقتل وإصابة مئات الفلسطينيين، ما أثار مخاوف من انهيار الهدنة وعودة التصعيد.
وخلال العامين الماضيين، أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى استشهاد نحو 68,858 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 170 ألفًا آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب تقديرات المؤسسات المحلية، في واحدة من أكثر الحروب دموية في تاريخ القطاع.