تشهد محافظة اللاذقية حالة غير مسبوقة من الركود التجاري والتراجع الاقتصادي، دفعت عدداً من التجار إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من انهيار النشاط الاقتصادي المحلي في ظل تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل حاد.
ويقول تجار المدينة إن الوضع الراهن تجاوز حدود "الأزمة المؤقتة" ليصبح تهديداً حقيقياً لاستمرارية الأسواق وأعمالهم اليومية، معربين عن خشيتهم من موجة إفلاسات وتوقف للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في حال استمرار الأوضاع دون تدخل عاجل من الجهات الحكومية.
ضعف الطلب وشلل الأسواق
يشير عدد من التجار إلى أن ضعف القوة الشرائية هو العامل الأبرز وراء حالة الشلل التي تعيشها الأسواق، حيث تراجعت المبيعات بنسب تتراوح بين 50 و70 بالمئة خلال الأشهر الماضية.
ويؤكد أحدهم أن "الناس لم تعد قادرة على شراء الأساسيات، والبيع أصبح مقتصراً على الضروريات فقط"، موضحاً أن فئة محدودة من ذوي الدخل المرتفع هي القادرة على الاستهلاك، فيما يعتمد أغلب السكان على تقنين الإنفاق إلى أقصى الحدود.
ويضيف تجار آخرون أن ارتفاع الأسعار لم يقتصر على السلع المستوردة، بل شمل أيضاً المنتجات المحلية بسبب زيادة كلفة المواد الأولية والطاقة والنقل، ما أدى إلى تقلص الطلب بشكل أكبر وأفقد الأسواق حيويتها المعتادة.
أسباب مركّبة وراء الأزمة
تتعدد الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع، بحسب وجهة نظر التجار، إذ يشير بعضهم إلى أن الانفلات الأمني وعمليات الخطف المنتشرة على الطرقات بين المدن جعلت الكثير من المواطنين والتجار يتجنبون التنقل أو نقل بضائعهم خوفاً من التعرض للمخاطر.
كما ساهمت قرارات حكومية حديثة بفصل عدد من الموظفين وتوقف رواتب بعض المتقاعدين في تقليص الكتلة النقدية المتداولة بين أيدي الناس، الأمر الذي انعكس مباشرة على الأسواق.
إلى جانب ذلك، أدى الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية، وخاصة المواد الغذائية والمحروقات، إلى تآكل الدخل الشهري للمواطنين، ما جعل أغلبهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
الإنتاج في مهب الريح
ويشير بعض الصناعيين إلى أن ارتفاع أسعار المواد الأولية رغم توافرها محلياً أدى إلى تعطّل عجلة الإنتاج، حيث اضطر المنتجون إلى رفع أسعار السلع النهائية لتغطية التكاليف، لكن الأسواق لم تستطع تحمل تلك الزيادات، ما أجبر العديد من الورش والمصانع الصغيرة على التوقف عن العمل.
ويقول أحد التجار إن المنافسة مع المنتجات الأجنبية، ولا سيما التركية التي تدخل بأسعار أقل وجودة مقبولة، جعلت المنتج المحلي في موقف صعب، إذ فقد القدرة على المنافسة في السعر والجودة معاً، ما دفع بعض الصناعيين للتحول إلى تجارة السلع المستوردة الجاهزة بدلاً من التصنيع المحلي.
ويحذّر خبراء اقتصاديون من أن استمرار هذا التوجه يعني تراجعاً إضافياً في جودة الإنتاج المحلي وانخفاضاً في فرص العمل، مما يزيد من حدة الأزمة الاقتصادية ويفاقم البطالة والفقر في المحافظة.
مطالب بالتدخل الحكومي العاجل
في مواجهة هذا الواقع، دعا تجار اللاذقية الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إلى تقديم تسهيلات للقطاع الإنتاجي والتجاري، من خلال خفض الرسوم الجمركية على المواد الأولية، وتوفير قروض ميسّرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب تشديد الرقابة على الأسعار وضبط الأسواق.
ويرى التجار أن إعادة تنشيط الإنتاج المحلي وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين يتطلب سياسات اقتصادية متوازنة تضمن استمرار عجلة العمل وحماية المنتج الوطني في الوقت نفسه، محذرين من أن تجاهل الأزمة سيقود إلى شلل اقتصادي شامل يصعب تداركه مستقبلاً.