لافارج أمام القضاء الفرنسي: إسمنت مُلطّخ بتمويل الإرهاب

2025.11.02 - 08:30
Facebook Share
طباعة

 
تبدأ الثلاثاء المقبل في باريس واحدة من أكثر المحاكمات إثارة للجدل في تاريخ الشركات الفرنسية، حيث تمثل شركة الإسمنت العملاقة "لافارج" ومسؤولون سابقون فيها أمام المحكمة الجنائية، بتهم تتعلق بتمويل منظمات إرهابية في سوريا خلال سنوات الحرب، وعلى رأسها تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة".

تأتي هذه المحاكمة بعد تحقيقات استمرت أعواماً، كشفت تورط الشركة في تحويل ملايين اليوروهات إلى جماعات مسلحة، بهدف ضمان استمرار تشغيل مصنعها للإسمنت في منطقة الجلابية شمال سوريا خلال الأعوام 2013 و2014، رغم سيطرة التنظيمات الجهادية على المنطقة.


تهم ثقيلة ومتهمون بارزون
إلى جانب الشركة التي استحوذت عليها مجموعة "هولسيم" السويسرية عام 2015، يُحاكم الرئيس التنفيذي السابق برونو لافون وخمسة مسؤولين كبار في الإدارة التشغيلية والأمنية، إضافة إلى وسيطين سوريين، أحدهما مطلوب بموجب مذكرة توقيف دولية.
وتواجه الشركة ومسؤولوها تهمتين أساسيتين:
تمويل منظمة إرهابية،
انتهاك العقوبات المالية الدولية المفروضة على سوريا بعد عام 2011.

ووفق قرار الإحالة الصادر في تشرين الأول 2024، فإن المتهمين "وافقوا وسهّلوا وشاركوا في سياسة مالية هدفت إلى تمويل جماعات إرهابية لتحقيق مصالح اقتصادية مباشرة للشركة".


ملايين دفعت لتنظيمات إرهابية
تشير التحقيقات إلى أن فرع الشركة في سوريا، المسمى "لافارج سيمنت سوريا"، دفع ما يقارب خمسة ملايين يورو لجماعات مصنفة إرهابية، من بينها "تنظيم الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة"، وذلك عبر وسطاء محليين لقاء "تسهيل مرور الشاحنات وحماية المصنع従من الاعتداءات المسلحة".

وكانت الشركة قد استثمرت نحو 680 مليون يورو في بناء المصنع عام 2010، لتغادر معظم الشركات الأجنبية سوريا بعد اندلاع النزاع في 2011، فيما فضلت لافارج البقاء، مكتفية بإجلاء موظفيها الأجانب فقط عام 2012، بينما واصل العمال السوريون العمل حتى سيطرة تنظيم "داعش" على المصنع في أيلول 2014.


مسار قضائي طويل وفضيحة دولية
بدأ المسار القضائي عام 2017 بعد تحقيقات صحافية وشكاوى من موظفين سابقين ومنظمات حقوقية، اتهمت الشركة بـ"تمويل الإرهاب" و"انتهاك الحظر المالي على سوريا". وأقرت تقارير داخلية لاحقة بحدوث "انتهاكات جسيمة لقواعد السلوك التجاري" داخل الشركة.

وفي عام 2022، أقرّت "لافارج" أمام القضاء الأمريكي بدفع نحو ستة ملايين دولار لتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، مقابل استمرار تشغيل المصنع، ووافقت حينها على دفع غرامة مالية قدرها 778 مليون دولار للسلطات الأمريكية في إطار تسوية قانونية.


بين القانون والسياسة
تثير القضية اليوم جدلاً واسعاً في فرنسا، إذ يعتبرها قانونيون سابقة تاريخية في محاسبة الشركات متعددة الجنسيات على تمويل الإرهاب خارج أراضيها، فيما يرى مراقبون أن نتائج المحاكمة قد تفتح الباب أمام محاكمات مشابهة لشركات أوروبية عملت في مناطق النزاع.

من جانب آخر، تشير أوساط اقتصادية إلى أن القضية تعكس التحديات التي تواجهها الشركات في العمل ضمن بيئات مضطربة، حيث تلتقي اعتبارات الربح بالمخاطر الأخلاقية والقانونية، في وقت تحاول فيه فرنسا تعزيز صورتها كدولة تطبّق العدالة حتى في الملفات ذات الحساسية السياسية والاقتصادية.

ويرى مراقبون أن الحكم المنتظر، سواء بالإدانة أو التبرئة، سيترك أثره العميق على صورة الشركات الفرنسية في الخارج، وعلى سياسات الاستثمار في الدول التي تشهد نزاعات، في ظل سعي الاتحاد الأوروبي لوضع أطر قانونية أكثر صرامة للرقابة على أنشطة الشركات الكبرى في مناطق الأزمات.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 9