في مشهد جديد من فصول المأساة الإنسانية المستمرة في غزة، كشف مدير عام وزارة الصحة في القطاع، منير البرش، أن الجثامين الثلاثين التي سلمها الجيش الإسرائيلي يوم الجمعة الماضي كانت "الأسوأ والأكثر تهتكًا" من بين جميع الدفعات التي سُلّمت منذ وقف إطلاق النار.
وأوضح البرش في تصريح لوكالة الصحافة الفلسطينية (صفا)، اليوم السبت، أن معظم الجثامين التي استلمتها الطواقم الطبية عبارة عن عظام فقط، وبعضها الآخر بلا ملامح بشرية واضحة بعد أن "ذابت ملامحها من شدة التعذيب والدفن في الرمال"، مشيرًا إلى أن قوات الاحتلال قامت بـ"دفن الشهداء بعد تعذيبهم وإعدامهم ميدانيًا، ثم أخرجت الجثامين من أماكن دفنها لاحقًا لتسليمها".
وأضاف أن بين الجثامين بقايا ملابس وأحذية قد تساعد ذوي الشهداء في عملية التعرف عليهم، رغم أن الكثير منها متآكل وغير واضح، مؤكدًا أن وزارة الصحة ستتبع الإجراءات ذاتها التي اعتمدت في الدفعات السابقة، مع منح العائلات فرصة للاطلاع والتعرف على أحبائهم.
وأشار البرش إلى أن الجثامين تحمل آثار إطلاق نار مباشر، وتنكيل، ودهس بالدبابات، ما يجعل عملية التعرّف صعبة جدًا ويزيد من فداحة الانتهاكات التي ارتُكبت بحق الضحايا.
حصيلة الجثامين منذ وقف إطلاق النار
وفقًا لبيانات وزارة الصحة في غزة، فقد تم الإفراج عن 255 جثمانًا منذ وقف إطلاق النار، تعرف ذوو 75 شهيدًا فقط على أصحابها، فيما دُفن 120 جثمانًا مجهول الهوية حتى الآن.
يُشار إلى أن تسليم الجثامين يأتي في إطار صفقة تبادل بين إسرائيل وحركة حماس، أُعلن عنها مؤخرًا بوساطة إقليمية، وشملت حتى الآن تسليم جثامين عشرات الشهداء مقابل إطلاق عدد من الرهائن الإسرائيليين.
من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي أمس أن ثلاثة جثامين استعادها من قطاع غزة ليست لرهائن مفقودين كما كان يُعتقد، في حين يواصل الاحتلال عمليات فحص الحمض النووي للجثامين الأخرى.
ملف الجثامين الفلسطينيين ظلّ لسنوات أحد أكثر الملفات الإنسانية حساسية وتعقيدًا في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، إذ تحتجز إسرائيل مئات الجثامين في ما يعرف بـ"مقابر الأرقام" أو في ثلاجات عسكرية مغلقة، في انتهاكٍ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تُلزم أطراف النزاع باحترام حرمة الموتى وتسليمهم إلى ذويهم.
ويصف حقوقيون فلسطينيون ما يجري بأنه "انتهاك مزدوج"، حيث يُقتل الفلسطينيون دون محاكمة، ثم يُحتجز جثمانهم أو يُعاد مشوهًا بلا ملامح، في محاولة لتجريد العائلة من حق الوداع الأخير.