في مشهد يعكس حدة الانقسام السياسي اللبناني في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي على الحدود الجنوبية، اندلع سجال جديد بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ونائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، بعدما هاجم الأخير الدور الأمريكي في لبنان واتهم واشنطن بأنها "الراعية الأساسية للعدوان"، ليرد عليه جعجع بعبارة لاذعة قائلاً: "جد لنا نزيهاً يكون وسيطاً غير واشنطن، ونكون لك شاكرين!".
اتهامات متبادلة: واشنطن بين الوساطة والانحياز
جعجع، المعروف بمواقفه المعارضة لحزب الله، كتب عبر منصة "إكس" أن على الشيخ نعيم قاسم أن "يبحث عن وسيط نزيه يستطيع إجبار إسرائيل على وقف اعتداءاتها وسحب جيشها من لبنان"، في رد ساخر على تصريح قاسم الذي نفى نزاهة الولايات المتحدة، مؤكداً أنها لا تقوم بدور الوسيط بل تشارك في العدوان عبر دعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً.
وكان الشيخ نعيم قاسم قد صرح في كلمة خلال افتتاح "سوق أرضية" في الضاحية الجنوبية لبيروت بأن الولايات المتحدة ليست وسيطاً نزيهاً بل الراعية الأساسية للعدوان وتوسعه، مشيراً إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية تزداد في كل مرة يُعلن فيها عن زيارة لمبعوث أمريكي إلى بيروت، وسط ما وصفه بـ"استمرار الضغوط الأمريكية لتطويع الموقف اللبناني".
تحذيرات من "التوحش الأمريكي" واتهام للحكومة بالتقصير
قاسم شدد على أن استمرار تبرير الاعتداءات الإسرائيلية من بعض الأطراف اللبنانية "يخدم العدو"، ودعا إلى "وقف تقديم الذرائع التي يستخدمها الاحتلال لتبرير هجماته"، مضيفاً أن الولايات المتحدة تبرر أكثر من 5000 خرق إسرائيلي للسيادة اللبنانية منذ بداية العام، بينما لا تتخذ أي موقف يحد من العدوان أو يدعم الاستقرار.
كما حمّل قاسم الحكومة اللبنانية مسؤولية حماية السيادة الوطنية ووضع خطة واضحة لتمكين الجيش من التصدي للعدوان الإسرائيلي، مؤكداً أن لبنان يعيش "مرحلة خطر حقيقي بسبب التوحش الأمريكي والتغول الإسرائيلي"، لكنه أبدى في الوقت ذاته تقديره لموقف رئيس الجمهورية الذي وصفه بـ"المسؤول" حيال الاعتداءات الأخيرة.
انقسام متجذر وتبادل للاتهامات
تصريحات جعجع جاءت لتعكس الانقسام التقليدي بين محور "المقاومة" الذي يقوده حزب الله، ومحور القوى السيادية الذي يرى أن الحزب يجرّ لبنان إلى مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل.
فبينما يتهم حزب الله واشنطن بالانحياز الكامل لتل أبيب، يرى خصومه أن الحزب يختبئ وراء شعار المقاومة لفرض أجندة إيرانية على القرار اللبناني، ما يزيد من عزلة لبنان السياسية ويهدد علاقاته مع الغرب والدول العربية.
هذا السجال ليس الأول من نوعه، إذ تأتي تصريحات جعجع وقاسم في سياق تصاعد التوتر الميداني على الحدود الجنوبية، حيث تواصل إسرائيل غاراتها الجوية على مواقع في الجنوب اللبناني بحجة استهداف بنى تحتية لحزب الله، فيما يرد الحزب بإطلاق صواريخ على المستوطنات الإسرائيلية الشمالية، في معادلة "الردع المتبادل" التي باتت تلامس حافة الانفجار.
بين الوساطة الأمريكية والحسابات اللبنانية
الوساطة الأمريكية، رغم فقدانها للثقة من جانب حزب الله وحلفائه، تبقى القناة الدبلوماسية الوحيدة المتاحة بين بيروت وتل أبيب، في ظل غياب أي دور فعّال للأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
لكن مع تصاعد الاتهامات لحزب الله بتوريط لبنان في صراع إقليمي يخدم أجندة طهران، تصبح تصريحات قاسم ردًّا دفاعيًا يهدف لتثبيت خطاب المقاومة أمام جمهوره الداخلي، بينما يسعى جعجع إلى تسليط الضوء على عجز الحزب عن إيجاد أي بديل دبلوماسي فعّال.
أزمة داخل أزمة
يبقى لبنان اليوم غارقاً بين نيران الجبهة الجنوبية وصراع الخطابات السياسية في الداخل، حيث يتبادل الفرقاء الاتهامات بالتبعية للخارج، فيما يدفع الشعب اللبناني ثمن الانقسامات والشلل السياسي.
وفي ظل غياب رؤية موحدة للدفاع عن السيادة الوطنية أو معالجة الأزمة الاقتصادية، يبدو أن السجالات بين القوى اللبنانية لن تتوقف قريباً، بل ستزداد حدّة كلما اقترب خطر المواجهة الشاملة مع إسرائيل.