في تقريرٍ جديد لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، كشفت مصادر استخباراتية أن حزب الله اللبناني بدأ خلال الأشهر الأخيرة في إعادة بناء ترسانته العسكرية وتنظيم صفوفه مجدداً، في خطوةٍ تراها واشنطن وتل أبيب تحدياً مباشراً لشروط اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم نهاية العام الماضي، ما ينذر بإمكانية تجدد المواجهة العسكرية مع إسرائيل على جبهة الشمال.
شبكة تسليح جديدة عبر سوريا والموانئ
بحسب ما نقلته الصحيفة، تُظهر المعلومات الاستخباراتية أن الحزب يعمل على تخزين صواريخ جديدة ومضادات دبابات ومدفعية، بعضها يُهرَّب عبر الموانئ اللبنانية وطرق التهريب البرية من سوريا، فيما تُصنَّع أسلحة أخرى داخل لبنان بقدرات محلية متطورة نسبياً.
وأكد أحد المصادر للصحيفة أن الحزب أعاد تشغيل ورش تصنيع محدودة الحجم في مناطق جبلية خاضعة لسيطرته، بهدف إنتاج قطع الغيار وبعض الذخائر الخفيفة، معتمداً على خبرات مكتسبة خلال الحرب السورية.
على الجانب الإسرائيلي، أفادت الصحيفة بأن الحكومة في تل أبيب "بدأت تفقد صبرها" تجاه تحركات حزب الله، وسط تزايد الدعوات داخل المؤسسة الأمنية لتكثيف الردع العسكري.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عقد اجتماعاً أمنياً مصغراً، مساء الخميس، لمناقشة ما وصفه بـ"الخرق المتواصل للاتفاق الأمني القائم مع لبنان"، بعد أن تلقى تقارير استخباراتية تؤكد "نجاح الحزب جزئياً في إعادة بناء بنيته الهجومية والدفاعية".
ونقلت الهيئة عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع قوله إن “الوضع لم يعد مقبولاً”، مضيفاً أن المؤسسة العسكرية تدرس خيارات تصعيد ميداني محدودة “لإعادة ضبط قواعد اللعبة” على الحدود الشمالية.
غارات متجددة وتوتر دائم
ورغم وقف إطلاق النار الذي أُعلن نهاية عام 2024 بوساطة أميركية وفرنسية، لا تزال الغارات الإسرائيلية تتكرر بشكل شبه يومي على مناطق في الجنوب اللبناني، لا سيما في محيط صور وبنت جبيل والنبطية.
وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن آخر الغارات استهدفت محيط بلدة بعقلين، مسقط رأس الرئيس اللبناني نواف سلام، في رسالة سياسية وصفتها مصادر لبنانية بأنها “محاولة لابتزاز الحكومة الجديدة”.
الحكومة اللبنانية: “لا سلاح خارج الدولة”
رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام شدّد من جانبه على أن “السلاح يجب أن يبقى حصراً بيد الدولة”، مؤكداً أن حكومته بدأت بالفعل في اتخاذ “خطوات جدّية” لتنفيذ هذا المبدأ.
وقال سلام في تصريحات صحفية: “نحشد كل إمكاناتنا الدبلوماسية والعسكرية من أجل العودة إلى وقف العمليات العدائية الإسرائيلية، ونعمل عبر لجنة الرقابة الدولية لضمان التزام الطرفين بالاتفاق”.
وكانت الحكومة اللبنانية، تحت ضغط أميركي وفرنسي، قد أقرّت في أغسطس الماضي خطة من خمس مراحل لنزع سلاح حزب الله، تتضمن سحب السلاح الثقيل من الجنوب، وإعادة دمج مقاتلين سابقين في مؤسسات الدولة، وهي خطة رفضها الحزب بشكل قاطع واعتبرها “مسّاً بمبدأ المقاومة”.
الاتفاق الذي تم التوصل إليه نهاية 2024 نصّ على انسحاب حزب الله من المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني، وحصر نشاطه العسكري داخل الحدود الشمالية، مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي تقدّم إليها خلال الحرب.
لكن إسرائيل أبقت قواتها في خمس تلال استراتيجية قرب مزارع شبعا، متذرعة بـ"التهديد المستمر من خلايا الحزب"، فيما يرى مراقبون أن بقاء تلك القوات يعكس رغبة تل أبيب في الاحتفاظ بأوراق ضغط داخل الساحة اللبنانية.
احتمال الانفجار من جديد
يرى محللون عسكريون أن عودة حزب الله إلى التسلّح تمثل مؤشراً واضحاً على هشاشة الاتفاق الأخير، وأن أي خطأ ميداني على الحدود قد يعيد إشعال المواجهة بين الطرفين.
ويعتقد هؤلاء أن الحزب يسعى إلى استعادة توازن الردع الذي تآكل بعد الحملة الإسرائيلية الأخيرة، بينما تحاول تل أبيب فرض واقع أمني جديد يمنع عودة نفوذ الحزب جنوباً.
وبينما يتبادل الطرفان الرسائل العسكرية والسياسية، يبدو أن الجنوب اللبناني يقف مجدداً على حافة تصعيد واسع، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان بدايات حرب يوليو 2006، ولكن هذه المرة وسط واقع إقليمي أكثر احتقاناً وخرائط نفوذ متغيرة في سوريا والعراق واليمن.