في لحظة حرجة من الحرب السودانية الدامية، أطلقت حكومة إقليم دارفور نداء استغاثة عاجل إلى المنظمات الإنسانية، مطالبةً بالتدخل لإنقاذ الأوضاع في مدينة الفاشر بعد أن سقطت فعلياً في قبضة قوات الدعم السريع. المدينة التي كانت آخر معقل للجيش السوداني في الإقليم، تواجه اليوم انهياراً إنسانياً شاملاً وسط انقطاع المساعدات واشتداد المعارك.
في بيان رسمي، قال الهادي إدريس، رئيس حكومة إقليم دارفور، إن حكومته تتابع "بقلق بالغ" التطورات الميدانية في الفاشر والمناطق المحيطة، مؤكداً التزامها بحماية المدنيين "وصون كرامتهم" رغم الظروف المأساوية التي تمر بها المنطقة.
وأشار إدريس إلى أن حكومته تنسق مع السلطات المحلية والإدارات الأهلية والقوات النظامية والشرطة الفدرالية لاحتواء الانفلات الأمني ومنع الاعتداءات على المواطنين وممتلكاتهم، إلا أن استمرار القتال جعل الوصول إلى المناطق المتضررة شبه مستحيل.
وأكد رئيس حكومة الإقليم أن الوضع الإنساني في الفاشر يتدهور بسرعة، مع تسجيل نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية والمياه الصالحة للشرب، في ظل تقييد حركة الإغاثة وصعوبة دخول المنظمات الدولية.
وطالب إدريس المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية "بتقديم المساعدات العاجلة دون عوائق"، مشدداً على أن حماية المدنيين وإغاثة المحتاجين هي "مسؤولية أخلاقية وإنسانية لا تحتمل التأجيل".
ويأتي هذا النداء بعد ساعات من إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر، آخر معقل استراتيجي للقوات المسلحة السودانية في إقليم دارفور، ما يمثل تحولاً ميدانياً كبيراً في مسار الحرب.
وتُعد الفاشر ذات أهمية استراتيجية بالغة، فهي العاصمة التاريخية لدارفور، ومركزاً لوجستياً رئيسياً يربط غرب السودان بشماله، كما تشكل قاعدة انطلاق لأي تحركات عسكرية لاستعادة السيطرة على المناطق التي فقدها الجيش خلال العام الأخير.
منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تحولت دارفور إلى واحدة من أسوأ مناطق الكارثة الإنسانية في إفريقيا، حيث وثقت الأمم المتحدة آلاف القتلى وموجات نزوح واسعة، مع تحذيرات متكررة من احتمال وقوع جرائم إبادة جماعية.
وسبق أن وصفت تقارير حقوقية ما يجري في الفاشر بأنه “سيناريو تكراري لمأساة دارفور الأولى” في مطلع الألفية، لكن هذه المرة في ظل غياب كامل للمجتمع الدولي وانقسام السلطة المركزية في الخرطوم.
بينما تتساقط المدن واحدة تلو الأخرى بيد قوات الدعم السريع، تقف دارفور اليوم على حافة كارثة إنسانية شاملة. ومع عجز المجتمع الدولي عن التدخل الفعّال، يخشى مراقبون أن تتحول الفاشر إلى رمز جديد لانهيار الدولة السودانية، في حربٍ تتجه نحو تفكك شامل للإقليم وللسودان برمّته.