تتواصل في الإعلام الإسرائيلي حملات تهويلية تصوّر لبنان على حافة اشتعال عسكري جديد. نقلت قناة i24NEWS عن “مسؤول إسرائيلي” قوله إنّ “النقطة الحاسمة لتنفيذ عملية في لبنان باتت قريبة”، فيما رجّح مصدر آخر لـ«هيئة البث الإسرائيلية» أنّ «حزب الله نجح في الأشهر الأخيرة بتهريب مئات الصواريخ قصيرة المدى من سوريا إلى لبنان، وقد تمكّن الجيش الإسرائيلي من إحباط جزء من تلك الشحنات فقط». وأضاف المصدر أن هذه المعطيات عُرضت على زائرين أميركيين لإسرائيل مؤخرًا، مع طلب إسرائيلي صريح بمواصلة الضربات داخل لبنان في المستقبل القريب إذا لزم الأمر.
وقبل هذه التسريبات، نشر موقع إسرائيلي مقطعًا يفيد بأن «الجيش يجهّز ضربة قوية استعدادًا للعودة للقتال ضد حزب الله»، فيما ذُكرت استعدادات تستمر لأيام قتالية محتملة. كما نقلت تقارير صحفية إسرائيلية توقعات بتصاعد القصف الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية ومواصلة الضغط العسكري على الحزب، بالتوازي مع ضغوط يمارسها لبنان على المقاومة لنزع سلاحها.
وتطرّقت تقارير أخرى إلى ما اعتبرته «حركة مزدوجة تشبه الكماشة»، تلتقي فيها خطوات إسرائيل العسكرية مع تحرّكات رسمية داخل لبنان وسوريا. المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بحسب هذه التغطيات، تقدر أن حزب الله قد يردّ بتنفيذ هجمات ردًّا على الغارات والاغتيالات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه تشعر بالضغط الداخلي لفرض نزع السلاح.
في هذا السياق، عرض الجنرال تامير هيمان، رئيس معهد الدراسات في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، قراءة شاملة للوضع اللبناني، في مقال حمل عنوانًا قطعيًا اعتبر أن الخطاب عن "تفكيك حزب الله" يتضمن قدرًا كبيرًا من التضليل. وحسب هيمان، تعتقد إسرائيل أنها حقّقت موقفًا حاسماً في لبنان، لكن ذلك طمأنة مضللة، لأن الجمود يخدم إيران التي تعمل على إعادة بناء قدرات حزب الله بينما العالم يكتفي بالتصريحات.
وأشار هيمان إلى أن مواجهة إعادة البناء هذه تحتاج إلى «ضغط أميركي – إسرائيلي» يدفع الجيش اللبناني إلى التحرك فعليًا، وأن قادة بيروت يقدمون فرصًا قد تبدو تاريخية لإسرائيل. وأضاف أن الرئيس جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام يبدوان مستعدّين علنًا للحديث عن تفكيك سلاح الحزب، ويضعان ضغوطًا على المؤسسة العسكرية لعرض خطة عملية لذلك. لكن هيمان لفت أيضًا إلى الهاجس الأكبر: تهديد بقاء لبنان نفسه، وأن أي احتكاك مع حزب الله يحمل مخاطر تحول البلاد إلى حلبة صراع داخلي مدمرة، ما يجعل أي خطوة من هذا النوع بالغة الحساسية على المستوى الداخلي اللبناني.
من زاوية إسرائيلية عملية، يرى هيمان أن استمرار الضربات المتفرقة قد يكبح نمو قوة الحزب لكنه لا يكفي لمنع تعاظمه على المدى المتوسط، وأن المطلوب «عملًا ملموسًا» يُترجم إلى ضغوط دبلوماسية وعسكرية أوسع. في الوقت نفسه، يدعو المقال إلى تعزيز دور الجيش اللبناني، وترسيخ سلطته على الأرض عبر احتكاك محدود قد يُعيد توازنًا رمزيًا لهيبته أمام الحكومة.
على المقلب اللبناني، دعت مسؤولية عدة جهات إلى التريّث وعدم الانسياق وراء ما اعتبرته «تهويلًا إعلاميًا». فالمؤشرات الميدانية متضاربة حول احتمالات اندلاع حرب شاملة، ورغم مناورات إسرائيلية وتلميحات إعلامية عن بقاء أجزاء من قواتها شمالًا، تُشير تقارير من قوات «اليونيفل» في الجنوب إلى غياب مؤشرات جادة وحاسمة على اندلاع مواجهة شاملة فورًا.
مراقبون عسكريون لفتوا إلى أن الحديث عن تسريح متزايد لجنود الاحتياط أو إلغاء استدعاءات كانت مقرّرة، إضافة إلى استمرار إعادة توطين بعض المستوطنين شمالًا، تُفسّر بأن إسرائيل قد توسّع عمليّاتها المحدودة: اغتيالات أو ضربات موجعة تستهدف بنى تحتية أو شخصيات، بدلاً من شن حرب تقليدية كاملة فورًا. وفي هذا الإطار، توقّعت مصادر ميدانية أن تشهد الساحة تصعيدات متقطعة ومحددة الأثر قد تندرج في إطار استراتيجية ضغط مستمرة أكثر منها فتح جبهة شاملة.
في المحصّلة، يبقى المشهد مرهونًا بعدة عوامل: قراءات الاستخبارات الإسرائيلية عن قدرات حزب الله، الموقف الأميركي والدولي من أي تصعيد، قدرة الجيش اللبناني على تحمّل أي دور تنفيذي في نزع السلاح، وثمن أي احتكاك داخلي قد يدفع البلاد إلى هاوية لا تُحمد عقباها. وبينما يستمر الإعلام الإسرائيلي في بثّ تحذيراته وتوقعاته، يدعو آخرون في بيروت إلى ضبط النفس السياسي وتجنّب الانزلاق صوب مواجهات قد تُغيّر خريطة المشهد اللبناني – الإقليمي.