أثار امتناع رئاسة مجلس النواب اللبناني عن إدراج اقتراح قانون معجّل مكرّر قدمه تسعة من النواب التغييريين، جدلاً دستورياً وسياسياً جديداً داخل أروقة البرلمان، في مشهد يعكس عمق الأزمة المؤسسية التي يعيشها النظام التشريعي في البلاد.
في مؤتمر صحفي داخل المجلس، عبر النواب التغييريون، ومن بينهم نجاة صليبا، بولا يعقوبيان، حليمة قعقور، إبراهيم منيمنة، فراس حمدان، ياسين ياسين، وملحم خلف، عن رفضهم لما وصفوه بـ“تجاوز صريح للنظام الداخلي” بعد تجاهل إدراج اقتراح قانونهم على جدول أعمال الهيئة العامة.
وتحدث النائب ملحم خلف باسم المجموعة، مشدداً على أن الالتزام بالدستور والنظام الداخلي هو الركيزة الأساسية لهيبة المجلس وضمان حسن سير عمله، محذراً من أن مخالفة هذه الأصول تهدد الدور التشريعي والرقابي للنواب.
الاقتراح الذي قدمه النواب في التاسع من مايو/أيار 2025، يتألف من مادة واحدة وجرى تصنيفه “معجلاً مكرراً”، ما يفترض أن يُدرج تلقائياً في أول جلسة عامة بعد تقديمه وفقاً للمادة 110 من النظام الداخلي. إلا أن رئاسة المجلس امتنعت عن إدراجه من دون تبرير قانوني واضح، وهو ما اعتبره النواب إخلالاً بمبدأ المساواة بين النواب وتقييداً لحقهم في التشريع والمبادرة.
وفي 29 سبتمبر/أيلول 2025، رفع النائبان خلف ومنيمنة مذكرة معلّلة تطالب بمناقشة الاقتراح وفق الأصول، لكن الطلب قوبل بالصمت، ما فاقم الاتهامات بوجود نهج انتقائي في إدارة الجلسات البرلمانية وتغليب منطق المزاج السياسي على الاعتبارات القانونية.
يرى مراقبون أن هذه الواقعة تسلّط الضوء على الإشكالية البنيوية في عمل المجلس النيابي، حيث تغيب الشفافية في تحديد جدول الأعمال وتتكرّر شكاوى الكتل النيابية الصغيرة من التهميش. كما تعكس، في الوقت ذاته، صراعاً مستتراً بين رئاسة المجلس والنواب التغييريين الذين يسعون إلى فرض منطق المؤسسية والمساءلة داخل مؤسسة لطالما اتُّهمت بالخضوع للاعتبارات السياسية والطائفية.
ويُحذر خبراء دستوريون من أن استمرار هذا النمط من التجاهل الإجرائي قد يفتح الباب أمام سوابق خطيرة تمسّ بمبدأ الفصل بين السلطات وتُفرغ العمل النيابي من مضمونه الديمقراطي، معتبرين أن الحل يكمن في تطبيق صارم للنظام الداخلي بعيداً عن الانتقائية السياسية.
اختتم النائب ملحم خلف باسم زملائه بالتأكيد على أن إدراج الاقتراح في الجلسة المقبلة يمثل اختباراً جدياً لمدى التزام المجلس بروح القانون والدستور، مشيراً إلى أن “احترام النظام الداخلي هو الضمانة الوحيدة لصون المسار الديمقراطي وسلامة العمل التشريعي في لبنان”.
تظهر الأزمة الحالية في البرلمان اللبناني كمؤشر على تعقيدات العلاقة بين السلطات الدستورية وآليات العمل التشريعي. ففي الوقت الذي يؤكد فيه النواب التغييريون تمسكهم بتطبيق النظام الداخلي واحترام القواعد الدستورية، ترى رئاسة المجلس أن إدارة جدول الأعمال تخضع لترتيبات تنظيمية وإجرائية يحددها النظام نفسه.
يمثل الجدل حول عدم إدراج اقتراح القانون المعجّل المكرّر نموذجًا لتباين التفسيرات القانونية والإجرائية داخل المؤسسة التشريعية، بين من يعتبره تجاوزًا للنظام الداخلي ومن يراه ضمن صلاحيات الرئاسة في تنظيم الجلسات.
يشير متابعون إلى أن هذه الحادثة تعكس واقع النقاش الدائم حول آليات التشريع وتوزيع الصلاحيات داخل البرلمان، في ظل نظام سياسي معقد يقوم على التوازنات بين الكتل والطوائف. كما تبرز الحاجة إلى تفعيل الحوار المؤسسي وتوضيح الأطر القانونية بما يضمن انتظام العمل البرلماني واحترام مبدأ المساواة بين النواب.
وبينما تتباين المواقف حول تفسير الإجراءات، يبقى الالتزام بالقانون وتطوير آليات العمل التشريعي عاملين أساسيين للحفاظ على دور المجلس النيابي كمؤسسة تمثل مختلف الاتجاهات السياسية وتؤدي وظائفها التشريعية والرقابية في إطار من الشفافية والدستور.