في واحدة من أضخم عمليات المكافحة خلال العام الجاري، أعلنت السلطات السورية عن ضبط سيارة محمّلة بأكثر من 11 مليون حبة كبتاغون في ريف حمص الجنوبي، كانت قادمة من الأراضي اللبنانية، في واقعة تعيد تسليط الضوء على تمدد شبكات تهريب المخدرات عبر الحدود المشتركة بين البلدين، رغم التغييرات السياسية والأمنية التي شهدتها سوريا خلال العامين الأخيرين.
بحسب بيان وزارة الداخلية السورية، فإن الكمية الضخمة من الحبوب المخدرة صودرت بالكامل، وتم التحفّظ على المركبة المستخدمة في العملية، بينما تواصل إدارة مكافحة المخدرات تحقيقاتها لتحديد هوية الشبكات الإجرامية التي تقف وراءها.
وأكدت الوزارة أن العملية تأتي ضمن "حملة وطنية موسعة" لملاحقة تجار ومروّجي المخدرات، في ظل تصاعد القلق من تنامي هذه التجارة التي باتت تمسّ الأمن المجتمعي، وتنعكس على الاقتصاد والاستقرار الداخلي.
ويرى مراقبون أن الضبط الجديد — رغم ضخامته — لا يشكّل نهاية لمسار التهريب، بل يكشف عمق التشابكات بين مافيات الكبتاغون في سوريا ولبنان، حيث تتقاطع مصالح تجارية وأمنية تمتد عبر مناطق وعرة على الحدود الشرقية.
ففي يوليو الماضي، أعلن الجيش اللبناني تفكيك "أحد أضخم معامل تصنيع الكبتاغون" في منطقة بعلبك، التي تُعدّ تقليديًا مركزًا لعمليات الإنتاج والتهريب باتجاه الداخل السوري ودول الخليج.
ومنذ سقوط النظام السوري السابق ووصول الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة، تعلن دمشق بشكل متكرر عن ضبط ملايين الحبوب في مناطق مختلفة، غير أن وتيرة التهريب لم تتوقف تمامًا، ما يشير إلى استمرار نشاط شبكات محلية ودولية تستفيد من هشاشة الحدود والفراغات الأمنية في بعض المناطق الريفية.
ويربط خبراء أمنيون بين توسّع هذه التجارة وتراجع الموارد الاقتصادية في البلدين، ما يجعل بعض الفصائل والمجموعات المسلحة تعتمد على المخدرات كمصدر تمويل رئيسي. كما أن الضغوط الإقليمية والدولية على دمشق لوقف تصدير الكبتاغون، لم تنجح حتى الآن في إنهاء الظاهرة أو تفكيك بنيتها الاقتصادية المعقدة.
منذ عام 2011، تحوّل الكبتاغون إلى أحد أبرز ملفات الصراع السوري – اللبناني، بعد أن باتت سوريا من أبرز مناطق الإنتاج والتصدير في المنطقة، وسط اتهامات متبادلة بين أطراف سياسية وأمنية بالتورط في حمايته أو الاستفادة منه.
واليوم، ومع تغيّر السلطة في دمشق، تبرز تحديات جديدة أمام الحكومة السورية في سعيها لإثبات قدرتها على ضبط الحدود ومكافحة شبكات الجريمة المنظمة.
لكن استمرار ضبط كميات هائلة من المخدرات داخل الأراضي السورية يشير إلى أن الحرب على الكبتاغون لا تزال في بدايتها، وأن مسارها يرتبط بمدى قدرة دمشق وبيروت على التعاون الميداني الفعّال، بعيدًا عن الحسابات السياسية المتشابكة.