بعد عامين من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، تحاول حكومة بنيامين نتنياهو إعادة تبرير وجودها العسكري داخل القطاع بذريعة البحث عن جثامين مفقودين. وبينما تزعم تل أبيب أن حركة حماس “تُماطل” في تسليم الرفات، تتكشّف مؤشرات على سعي إسرائيلي منسّق مع واشنطن لإعادة فرض السيطرة الميدانية على غزة تحت غطاء إنساني.
أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الصليب الأحمر سلّم تل أبيب رفات أسير جديد، ليرتفع العدد إلى 17 جثة منذ بدء التفاهمات الأخيرة، في مقابل إفراج حماس عن 20 أسيرًا حيًا. غير أن وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها أقرت بوجود تناقضات في بيانات الحكومة، إذ اعترفت تل أبيب أن إحدى الجثث المستلمة “لا تتطابق” مع أي من الأسرى المعروفين، ما يكشف حالة من الارتباك والتسييس المتعمد للملف.
في المقابل، أكدت حركة حماس أن البحث عن الجثامين يتم في ظروف إنسانية وميدانية شديدة الصعوبة، بعد عامين من الدمار الهائل الذي خلّفه القصف الإسرائيلي، موضحة أن عدداً من المقاتلين الذين كانوا على صلة بملف الأسرى قد استُشهدوا في المعارك، ما عقد جهود التتبع.
ورغم ذلك، تواصل إسرائيل اتهاماتها وتلوّح بخمسة “خيارات رد” في حال لم تحصل على ما تريد، وهي وفق التسريبات الصحفية الإسرائيلية:
1. توسيع السيطرة الميدانية داخل القطاع.
2. استئناف القصف والتصعيد العسكري.
3. إنهاء اتفاق وقف إطلاق النار.
4. تنفيذ عمليات ميدانية خاصة لانتشال الرفات.
5. ممارسة ضغط دبلوماسي عبر واشنطن وحلفائها.
هذه السيناريوهات، وفق محللين فلسطينيين، لا تتعلق بالرفات بقدر ما ترتبط بسعي إسرائيل لاستعادة نفوذها العسكري والأمني في غزة بعد أن فقدته تحت ضغط المقاومة.
الغطاء الأميركي
صحيفة يديعوت أحرونوت كشفت أن نتنياهو ينتظر “ضوءًا أخضر من واشنطن” قبل تنفيذ أي تحرك ميداني جديد. ويأتي ذلك ضمن سياق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القطاع، التي أعادت صياغة الترتيبات الأمنية بما يتيح لإسرائيل التدخل “الانتقائي” متى شاءت بذريعة الأمن أو الملف الإنساني.
في الوقت نفسه، سمحت تل أبيب بدخول فريق فني مصري بالتعاون مع الصليب الأحمر لتحديد مواقع الجثث، مستخدمين معدات ثقيلة للبحث في المناطق التي دمرتها الحرب، فيما يعرف بـ“الخط الأصفر” الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية مؤقتًا.
غير أن هذه الخطوة، بحسب مراقبين، ليست سوى محاولة لإضفاء شرعية إنسانية على استمرار السيطرة الإسرائيلية، بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية المعلنة منذ بدء العدوان عام 2023.
تحاول إسرائيل منذ أشهر إعادة صياغة رواية الحرب عبر التركيز على “المسائل الإنسانية” لتخفيف حدة الانتقادات الدولية، لكنها في الواقع تستخدم هذه الملفات كأدوات ضغط سياسي وأمني. فملف الأسرى والرفات بات وسيلة لتبرير التوغل، كما كان ملف الأنفاق في السابق مبررًا للقصف والتدمير.
وفي المقابل، يرى مراقبون أن تل أبيب تخشى من تآكل الردع الداخلي، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي الإسرائيلي تجاه حكومة نتنياهو، التي فشلت في استعادة جميع الأسرى رغم اتفاقات التبادل. أما حماس، فنجحت في تحويل ملف الأسرى إلى ورقة سياسية تُربك إسرائيل وتؤجل أي تسوية بشروط الاحتلال.
بين الذريعة الإنسانية والحسابات السياسية، تمضي إسرائيل في سياسة المراوغة، مستغلة دعم واشنطن لتبرير تحركاتها. ومع كل خطوة تتحدث فيها عن “الرفات”، يزداد واقع غزة تعقيدًا، ويكشف الاحتلال مجددًا أن هدفه الحقيقي ليس إنقاذ جثث بل إعادة فرض السيطرة على أرض ما زالت تقاومه.