في مشهد يعبّر عن عمق الأزمة الوجودية التي يعيشها كيان الاحتلال، يسعى وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش إلى وقف النزيف البشري داخل إسرائيل من خلال خطة تمنح إعفاءً ضريبيًا يصل إلى خمس سنوات للمهاجرين اليهود الجدد.
إلا أن المراقبين يرون في هذه الخطوة محاولة يائسة لإنعاش مشروع صهيوني آخذ في التآكل، وسط تصاعد هجرة الإسرائيليين إلى الخارج وتراجع الإقبال على "العودة إلى أرض الميعاد"، في ظل واقع أمني متفجر واقتصاد متعثر ومجتمع ممزق.
إسرائيل تفقد جاذبيتها "اليهودية"
خطة سموتريتش التي يجري إعدادها تمنح إعفاء كاملًا من ضريبة الدخل بين ثلاث وخمس سنوات لليهود المهاجرين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2026، في محاولة لاستقطاب أعداد جديدة من المهاجرين بعد انهيار مؤشرات "الاستيعاب الصهيوني".
لكنّ خبراء الاقتصاد في تل أبيب يحذّرون من أن الخطة لن تُجدي نفعًا، وأنها تمثل هدرًا جديدًا للمال العام لن يوقف الهجرة المتزايدة، بل قد يفاقم أزمة العدالة الاجتماعية داخل إسرائيل.
ويقول مراقبون إن فكرة "تشجيع الهجرة بالمال" تكشف فشل الأيديولوجيا الصهيونية نفسها، التي كانت تقوم على "الانتماء العقائدي"، لكنها اليوم تحاول شراء الولاء المالي من مهاجرين لا يؤمنون بالمشروع بل يبحثون عن مصلحة مادية مؤقتة.
أزمة ديموغرافية تضرب عمق الكيان
تشير بيانات المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي إلى تدهور غير مسبوق في الميزان السكاني:
خلال عام واحد فقط، تضاعف عدد المغادرين من 10 آلاف إلى أكثر من 28 ألف شخص.
بينما انخفض عدد المهاجرين الجدد إلى 25 ألفًا فقط، أي أقل من ثلث الرقم المسجل عام 2022.
أما الميزان الداخلي للهجرة فأصبح سلبياً بنحو 58 ألف شخص حتى سبتمبر 2025، في أسوأ نتيجة منذ قيام الكيان.
ويصف محللون هذا التحول بأنه “هجرة عكسية للعقول والكوادر”، حيث لم تعد إسرائيل تجذب العقول اليهودية من الخارج، بل تخسر أبناءها المتعلمين والمتخصصين الذين يهاجرون بحثًا عن الأمن والاستقرار في أوروبا وأمريكا الشمالية.
من "أرض الميعاد" إلى "أرض الهروب"
تراجعت صورة إسرائيل التي طالما رُوِّج لها كـ"ملاذ آمن لليهود"، وباتت تُرى في نظر كثير من اليهود حول العالم كدولةٍ عسكرية متوترة غارقة في الأزمات.
فالتحولات الداخلية بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، وما تلاها من احتجاجات ضد حكومة نتنياهو اليمينية، عمّقت الانقسام بين المتدينين والعلمانيين، وأشعلت الخلافات داخل الجيش والاقتصاد والمجتمع.
ويرى اقتصاديون في وزارة المالية الإسرائيلية أن الضريبة ليست المشكلة، بل البيئة السياسية المنهارة وفقدان الإحساس بالأمان، خاصة مع تصاعد العمليات في الشمال والجنوب واستمرار المقاومة الفلسطينية في فرض معادلات ردع جديدة.
فشل الأيديولوجيا الصهيونية
ما يجري اليوم يعكس مأزقًا وجوديًا حقيقيًا:
فبعد أن فشلت إسرائيل في تحقيق "الأمن" الذي وعدت به مهاجريها، لم يعد الحلم الصهيوني قادرًا على إقناع الأجيال الجديدة بالعيش في دولةٍ تتآكل من الداخل وتفقد هويتها المدنية.
حتى حاخامات المؤسسة الدينية حذروا مؤخرًا من "رحيل جماعي لليهود"، في وقت تتزايد فيه حالات الانتحار والاكتئاب بين الشباب الإسرائيلي، وفق تقارير صحفية عبرية.
في المقابل، لم تنجح سياسات اليمين في تقديم بدائل سوى شراء الولاء بالمال، رغم أن التاريخ يؤكد أن "المجتمعات القائمة على الخوف لا تعيش طويلاً".
كيان على حافة التفكك
من الواضح أن خطة سموتريتش ليست إلا مسكّنًا قصير المدى لمرض وجودي طويل الأمد. فالأزمة التي تضرب إسرائيل اليوم ليست اقتصادية فحسب، بل فكرية وديموغرافية وسياسية تهدد بنيانها بالكامل.
وفي وقت تفرّ فيه العقول والكوادر، تتآكل قدرة الجيش على التجنيد، ويتراجع الانتماء إلى "الدولة العبرية" لصالح البحث عن بديل آمن في الخارج.
إن محاولات الاحتلال لشراء المهاجرين الجدد بالإعفاءات الضريبية لن تنقذه من مصيره المحتوم، فالمشكلة ليست في الضرائب، بل في زيف الحلم الصهيوني الذي سقط أخلاقياً وعقائدياً وأمنياً أمام صمود الشعوب المقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة بأسرها.