جدد حزب الله اللبناني تمسكه بسلاحه، في رسالة سياسية مباشرة إلى واشنطن وتل أبيب على حد سواء، بعد أيام من تكثيف الضغوط الأميركية والأوروبية على بيروت لدفع الحزب إلى تنفيذ بنود اتفاق وقف النار الموقع أواخر عام 2024. التصريحات الأخيرة جاءت لتؤكد أن الأزمة بين الدولة اللبنانية والحزب المدعوم من طهران تدخل مرحلة أكثر حساسية، خاصة بعد إعلان الحكومة اللبنانية نيتها تجريد الحزب من سلاحه قبل نهاية العام.
قال نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله، محمود قماطي، إن الحزب "لن يسلم سلاحه لأنه قوة للوطن وسيادة للبنان"، مشدداً على أن "الضغط الأميركي والأوروبي لن يؤثر في قرارات الحزب". وأضاف أن إسرائيل "تعتدي يومياً على الأراضي اللبنانية، في ظل صمت المجتمع الدولي"، مؤكداً أن الحزب "التزم بالقرار 1701"، بينما "لم تلتزم إسرائيل رغم الرعاية الأميركية الفرنسية للاتفاق".
وتأتي هذه التصريحات في وقت يشهد الجنوب اللبناني هدوءاً هشاً منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، بعد عام كامل من المواجهات العنيفة التي دمرت قرى حدودية وأدت إلى نزوح عشرات الآلاف.
الاتفاق، الذي رعته كل من واشنطن وباريس، نصّ على انسحاب قوات حزب الله من جنوب نهر الليطاني وتفكيك بنيته العسكرية، مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية التي توغلت إليها خلال الحرب، غير أن الواقع الميداني يشير إلى أن الطرفين لم يلتزما بالكامل.
فبينما أبقت إسرائيل قواتها في خمس تلال استراتيجية جنوب لبنان، وواصلت شن غارات على مواقع قالت إنها تابعة للحزب في الجنوب والبقاع وحتى أطراف بيروت، حافظ حزب الله على وجود استخباراتي ولوجستي في مناطق عدة، مستفيداً من ضعف سلطة الدولة في الجنوب.
ضغوط أميركية وتمويل مشروط
في موازاة ذلك، أعلنت واشنطن في سبتمبر الماضي تقديم 230 مليون دولار كمساعدات للبنان، قالت إنها تهدف إلى دعم قدرات الجيش اللبناني ضمن خطة لنزع سلاح الميليشيات وبسط سيادة الدولة. لكن الحزب يرى في هذه الخطوة محاولة لشراء المواقف اللبنانية وتحويل الجيش إلى أداة ضد "المقاومة"، على حد وصفه.
وتتهم مصادر سياسية لبنانية واشنطن بأنها تمارس ضغطاً غير مباشر عبر المساعدات الاقتصادية والعسكرية، في حين تؤكد الإدارة الأميركية أن "هدفها هو دعم استقرار لبنان ومنع عودته إلى دائرة الصراع الإقليمي".
في أغسطس الماضي، قررت الحكومة اللبنانية رسمياً تجريد حزب الله من سلاحه قبل نهاية عام 2025، مكلفة الجيش بتنفيذ القرار وفق خطة من خمس مراحل تشمل جمع السلاح المنتشر في الجنوب، وضمان انتشار وحدات الجيش على كامل الحدود الجنوبية بالتنسيق مع قوات "اليونيفيل".
لكن الحزب رفض الخطة فوراً، معتبراً أنها "إملاء خارجي" و"خيانة لتضحيات المقاومة". ووفق مصادر قريبة من الحزب، فإن القيادة تعتبر أن أي محاولة لسحب السلاح "ستقود إلى انفجار داخلي" يعيد البلاد إلى أجواء الحرب الأهلية.
منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، تحول سلاح حزب الله إلى قضية لبنانية مزمنة تتقاطع فيها الحسابات الإقليمية والدولية. فبينما يرى الحزب أن السلاح "ضمانة للدفاع عن لبنان"، تعتبره واشنطن وتل أبيب "ذراعاً إيرانية تهدد أمن المنطقة".
ومع اشتداد الصراع في غزة منذ أكتوبر 2023، تمددت المواجهة إلى الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، ما زاد من تعقيد المشهد وأعاد النقاش حول ضرورة حصر السلاح بيد الدولة.
اليوم، ومع تصاعد الضغوط الغربية، وتصلب موقف حزب الله، تبدو لبنان أمام اختبار سيادي حاسم: فإما أن ينجح في تنفيذ قرار نزع السلاح دون انزلاق أمني، أو يدخل مرحلة جديدة من المواجهة بين الدولة والحزب، ستكون لها تداعيات إقليمية تتجاوز حدوده الجنوبية.