غزة بين “الخط الأصفر” و”الخط الأحمر”.. مشروع تقسيم يتسلل تحت لافتة الإعمار

2025.10.25 - 04:33
Facebook Share
طباعة

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن ملامح المرحلة الثانية من الخطة الأمريكية لإدارة قطاع غزة، التي تتضمن تقسيم القطاع إلى منطقتين متميزتين، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لإعادة الإعمار، لكنها في جوهرها تحمل مؤشرات على مشروع تقسيم سياسي – جغرافي جديد للقطاع المنهك بعد عامين من الحرب.

 

منطقتان بنظامين مختلفين

وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن الخطة الأمريكية تقوم على فصل القطاع إلى قسمين رئيسيين يفصل بينهما ما يُعرف بـ"الخط الأصفر".

المنطقة الغربية، الواقعة خلف هذا الخط، ستبقى تحت إدارة حركة حماس، لكنها ستُستثنى من عمليات إعادة الإعمار، مع إبقاء المساعدات الإنسانية في حدها الأدنى.

أما المنطقة الشرقية، فستخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية بمشاركة قوات دولية من دول من بينها إندونيسيا، على أن تشهد هذه المنطقة إعادة إعمار واسعة النطاق ومشروعات بنية تحتية بإشراف مباشر من واشنطن وتل أبيب.


ووفق المصادر نفسها، ستُقسم ما أُطلق عليها "دولة شرق غزة" إلى خمس مناطق فرعية، وستبدأ أولى مراحل التجربة في مدينة رفح، التي تُعتبر بوابة القطاع الجنوبية على مصر، في ما يبدو أنه اختبار ميداني لنموذج "القطاع المقسوم".

 

موقف عربي وفلسطيني رافض

صحيفة وول ستريت جورنال نقلت عن مصادر دبلوماسية عربية أن العواصم العربية ترفض بشدة أي صيغة لتقسيم غزة، محذّرة من أن ذلك سيُكرّس الانقسام الداخلي الفلسطيني ويمنح إسرائيل ذريعة لبقاء وجودها الأمني والعسكري الدائم في جزء من القطاع.

وفي القاهرة، عقدت الفصائل الفلسطينية اجتماعات مكثفة خلال اليومين الماضيين في إطار مساعٍ لبناء موقف وطني موحّد تجاه ترتيبات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، حيث شدّدت في بيانها الختامي على ضرورة رفض أي مشاريع تهدف إلى تفتيت القطاع أو فصل إدارته، مؤكدة في الوقت نفسه استمرار دعمها لتطبيق بنود وقف النار وتهيئة الأرضية لإعادة الإعمار.

 

الخطة الأمريكية: من الهدنة إلى "الحكم التكنوقراطي"

تأتي هذه التطورات بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في التاسع من أكتوبر، عن التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة السلام الأمريكية، التي تتضمن 20 بندًا، أبرزها:

وقف فوري لإطلاق النار خلال 72 ساعة من تبادل الأسرى.

إطلاق سراح المحتجزين لدى حماس، مقابل إفراج إسرائيل عن أكثر من 1900 أسير فلسطيني، بينهم محكومون بالمؤبد.

نقل إدارة قطاع غزة إلى سلطة تكنوقراطية بإشراف دولي مباشر، يقودها ترامب شخصيًا كمبعوث خاص لإدارة عملية السلام.

إقصاء حماس والفصائل المسلحة من أي دور سياسي أو إداري في المرحلة المقبلة.


وحتى الآن، أفرجت حماس بالفعل عن 20 أسيرًا إسرائيليًا، بينما أطلقت تل أبيب سراح 1718 أسيرًا من القطاع، إضافة إلى 250 أسيرًا محكومين بالمؤبد أو بفترات طويلة تم نقلهم إلى الضفة الغربية ومناطق فلسطينية أخرى.


إعادة إعمار أم إعادة هندسة سياسية؟

يرى مراقبون أن الخطة الأمريكية – الإسرائيلية تمثل تحولًا استراتيجيًا في مقاربة إدارة الصراع في غزة، إذ لا تقتصر على ترتيبات أمنية أو إنسانية، بل تُؤسس لواقع سياسي جديد يكرّس الفصل الجغرافي والإداري بين مكونات القطاع.

ويرجّح محللون أن المنطقة الشرقية قد تتحول تدريجيًا إلى نموذج إداري بديل يتم تسويقه ككيان "قابل للحياة" اقتصاديًا وأمنيًا، مقابل إبقاء المنطقة الغربية – حيث نفوذ حماس – في عزلة إنسانية طويلة الأمد.

وبينما تسعى واشنطن إلى تقديم المشروع بوصفه خطوة نحو الاستقرار وإعادة الإعمار، ترى القوى الفلسطينية والعربية فيه محاولة لتفتيت القضية الفلسطينية جغرافيًا وسياسيًا، عبر فرض واقع تقسيمي جديد تحت عنوان "السلام الإنساني".


عامان من الحرب المدمرة

شهد قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 حربًا ضارية أسفرت عن تدمير أكثر من 60% من البنية التحتية المدنية، وتشريد مئات الآلاف من السكان.
ورغم الضغوط الدولية لإعادة الإعمار، فإن الخلافات حول الجهة التي ستتولى إدارة القطاع ظلّت العقبة الرئيسية أمام أي تقدم فعلي، وهو ما تسعى الخطة الأمريكية الجديدة لتجاوزه عبر فرض "إدارة مقسّمة" تضمن بقاء النفوذ الإسرائيلي والأمريكي المباشر في الشرق، مقابل تحييد حماس في الغرب.

 


تفتح الخطة الأمريكية لتقسيم غزة الباب أمام مرحلة سياسية حساسة قد تعيد رسم حدود القطاع ومستقبله الإداري، وسط رفض فلسطيني وعربي واسع وتخوف من أن يكون "إعمار غزة" مجرد غطاء لتكريس انقسام جغرافي دائم، يضع القضية الفلسطينية أمام تحدٍ جديد أخطر من الحرب نفسها.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 6