في مؤشر جديد على هشاشة الهدنة الهشة بين لبنان وإسرائيل، قُتل شخص صباح السبت جراء استهداف طائرة مسيّرة إسرائيلية سيارة في بلدة حاروف بقضاء النبطية جنوب لبنان، في غارةٍ وصفتها مصادر لبنانية بأنها “خرق خطير لاتفاق وقف إطلاق النار” المبرم بوساطة دولية قبل أسابيع.
أفاد مراسلون ميدانيون بأن الغارة الإسرائيلية استهدفت سيارة مدنية بشكل مباشر أثناء مرورها في البلدة، ما أدى إلى اشتعالها بالكامل ومقتل سائقها على الفور.
ووفق مصادر أمنية لبنانية، وصلت سيارة إسعاف إلى الموقع بعد دقائق من القصف، فيما امتنع الجيش اللبناني عن الكشف عن هوية القتيل حتى استكمال التحقيقات وتحديد ما إذا كان من عناصر المقاومة أو مدنيًا.
وأظهرت مقاطع مصوّرة من مكان الحادث النيران تلتهم السيارة بالكامل وسط تصاعد أعمدة الدخان الكثيف، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان الغارات المتكررة التي طالت مناطق جنوب لبنان خلال الأشهر الماضية، رغم سريان اتفاق وقف النار على الجبهة الشمالية.
ويأتي هذا الهجوم بعد أقل من 24 ساعة على استهداف حفارة في مدينة الخيام بواسطة مسيّرة إسرائيلية، في ما اعتبرته بيروت استمرارًا لـ"العدوان الإسرائيلي المنهجي على الأراضي اللبنانية"، بينما قالت مصادر إسرائيلية إن “العمليات تستهدف مواقع ونشاطات مرتبطة بحزب الله”.
تتزامن هذه التطورات مع تصاعد التوتر الحدودي بين الجانبين، في ظل تبادل الاتهامات بخرق الهدنة.
مصادر أمنية لبنانية أكدت أن الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل أجريا اتصالات عاجلة لتحديد خريطة الهجوم ورفع تقرير للأمم المتحدة، فيما لم يصدر أي تعليق رسمي من حزب الله حتى اللحظة.
ويرى محللون أن إسرائيل تواصل اختبار حدود الاتفاق الميداني، وتستخدم المسيّرات “كأداة ضغط تكتيكية” لردع الحزب عن تعزيز مواقعه قرب الخط الأزرق، بينما يسعى حزب الله إلى تجنّب الانزلاق نحو مواجهة شاملة، في ظل انشغال الإقليم بملف غزة ومسار المفاوضات الجارية بشأنها في إسطنبول.
منذ بداية أكتوبر، تكثفت الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان، مستهدفة ما تقول تل أبيب إنها “بنى عسكرية تابعة لحزب الله”، فيما تؤكد بيروت أن هذه الضربات تمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة اللبنانية ولقرار مجلس الأمن 1701.
وقد قُتل خلال الأسابيع الأخيرة عدد من عناصر الحزب والمدنيين، بينما ردّت المقاومة بعدة عمليات محدودة ضد مواقع إسرائيلية على الحدود.
وتخشى أوساط دبلوماسية أن يؤدي استمرار التصعيد إلى انهيار وقف إطلاق النار، خاصةً في ظل غياب أي ضمانات أميركية واضحة تلزم إسرائيل بضبط تحركاتها الجوية فوق الأراضي اللبنانية.
حادثة حاروف قد لا تكون سوى حلقة جديدة في سلسلة الرسائل المتبادلة بالنار بين إسرائيل وحزب الله.
لكن دلالتها السياسية تتجاوز الميدان، إذ تكشف أن اتفاق وقف النار لم يعد صامدًا إلا شكليًا، وأن الجنوب اللبناني ما زال ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين محور المقاومة وتل أبيب، في انتظار التسويات الكبرى التي تُطبخ على نار هادئة من غزة إلى بيروت.