بعد أسابيع من التصعيد العسكري على الحدود بين أفغانستان وباكستان، تعود المفاوضات بين البلدين إلى الطاولة من جديد، وهذه المرة في إسطنبول، في محاولة لإرساء أسس سلام دائم ينهي التوتر المزمن بين الجارتين اللتين تفصل بينهما واحدة من أكثر الحدود سخونة في آسيا.
انطلقت في إسطنبول الجولة الثانية من المفاوضات بين وفدي أفغانستان وباكستان، برعاية مشتركة من تركيا وقطر، بهدف تجاوز الخلافات التي انفجرت مجدداً خلال الشهر الجاري على طول خط دوراند الحدودي.
ويرأس الوفد الأفغاني نائب وزير الداخلية رحمة الله نجيب، الذي غادر كابل إلى تركيا للمشاركة في المحادثات، بينما يضم الوفد الباكستاني مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع.
وأكدت مصادر دبلوماسية أن هذه الجولة لا تقتصر على بحث هدنة مؤقتة، بل تستهدف وضع إطار لاتفاق سلام مستقر وطويل الأمد، بعدما فشلت جولة الدوحة السابقة في معالجة القضايا العالقة بين الطرفين، وفي مقدمتها ضبط الحدود، ومنع الغارات المتبادلة، ومكافحة الجماعات المسلحة الناشطة في المناطق الحدودية.
وتأتي المفاوضات بعد وساطة تركية-قطرية نجحت مؤقتاً في وقف الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في أوائل أكتوبر الجاري، واستمرت أكثر من أسبوعين، وأدت إلى سقوط عشرات القتلى من الجانبين. وكانت وزارة الدفاع الأفغانية قد أعلنت في 12 أكتوبر تنفيذ “عمليات ناجحة” ضد مواقع باكستانية، متهمة إسلام آباد بارتكاب “انتهاكات متكررة وضربات جوية على الأراضي الأفغانية”، فيما رد الجيش الباكستاني باستخدام المدفعية الثقيلة والغارات الجوية.
وردت وزارة الخارجية الباكستانية حينها ببيان شديد اللهجة، طالبت فيه كابل بـ“التركيز على قضاياها الداخلية وعدم التدخل في شؤون الآخرين”، معتبرة أن الاتهامات الأفغانية “تتناقض مع الأعراف الدبلوماسية الدولية”.
وقد تم التوصل الأسبوع الماضي إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، بوساطة قطرية، شمل نشر مراقبين ميدانيين لتثبيت التهدئة والتحقق من تنفيذ الاتفاق. لكن المراقبين يرون أن غياب الثقة العميقة بين الجارتين يجعل من أي هدنة خطوة هشة قابلة للانهيار في أي لحظة.
يُذكر أن العلاقات بين أفغانستان وباكستان تتأرجح منذ عقود بين التعاون الأمني والتوتر الحدودي، خاصة بعد وصول حركة طالبان إلى الحكم في كابل عام 2021. وتتهم إسلام آباد الحكومة الأفغانية بإيواء عناصر من حركة “تحريك طالبان باكستان” التي تنفذ هجمات ضد الجيش الباكستاني، فيما تتهم كابل جارتها بدعم جماعات مسلحة تهدف إلى زعزعة استقرارها الداخلي.
ويرى محللون أن نجاح مفاوضات إسطنبول قد يشكل اختباراً حقيقياً لإرادة البلدين في تجاوز إرث العداء المزمن، وأن استمرار الدور التركي-القطري قد يكون الفرصة الأخيرة قبل انزلاق المنطقة إلى دورة جديدة من الصراع المفتوح.