تعيش محافظة السويداء جنوب سوريا واحدة من أكثر مراحلها قسوة منذ اندلاع الأزمة السورية، إذ تتفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية يوماً بعد آخر، فيما تبقى التسويات السياسية مؤجلة في ظل الانقسام بين مؤسسات الدولة والفصائل المحلية.
ورغم محاولات الحكومة السورية امتصاص الغضب عبر تسهيلات مؤقتة، إلا أن تعطل صرف الرواتب لموظفي القطاع العام كشف هشاشة البنية الإدارية والمالية في المحافظة التي ظلت حتى وقت قريب بمنأى عن الحرب المباشرة.
الرواتب المعلقة.. ومعضلة "شام كاش"
مع توقف الدورة الاقتصادية في السويداء لأشهر، اضطر المحافظ مصطفى البكور إلى اتخاذ خطوات استثنائية تمثلت في مطالبة دوائر الدولة بإعداد قوائم بأسماء الموظفين وأرقامهم المرتبطة بخدمة «شام كاش» لتسهيل صرف الرواتب إلكترونياً.
ورغم أن هذا الإجراء يهدف إلى تجاوز الفوضى المالية، فإن العاملين يشكون من بطء التنفيذ وصعوبة الوصول إلى الخدمة البنكية في ظل انقطاع الكهرباء وضعف الاتصالات.
اللافت أن الأزمة لم تقتصر على الجانب التقني، بل طالت مؤسسات حيوية مثل الكهرباء والمحروقات والتأمين والمعاشات، ما يعني أن الشلل الإداري يهدد استقرار الخدمات الأساسية في المحافظة.
الاقتصاد المجمّد.. بين الفصائل والمركز
تقول مصادر محلية إن جزءاً كبيراً من الأزمة المالية يعود إلى تعطل التنسيق بين وزارة المالية في دمشق ومؤسسات المحافظة، نتيجة ضغوط من فصائل مسلحة محلية ومنعها لبعض المديريات من رفع تقاريرها الدورية، وهو ما أدى إلى تجميد إجراءات الصرف.
وتؤكد تقارير محلية أن بعض المؤسسات واجهت تهديدات مباشرة من جماعات مسلحة، وصلت إلى حدّ اقتحام مكاتب موظفين وإجبارهم على تعليق عملهم، الأمر الذي خلق حالة من الشلل الإداري والاقتصادي داخل المحافظة.
بين خطاب الحكومة وموقف مشيخة العقل
تحاول دمشق التمسك بموقفها الرسمي الداعم لـ"وحدة الأراضي السورية" كما ورد في البيان الثلاثي مع الأردن والولايات المتحدة، في مقابل استمرار الشيخ حكمت الهجري—المرجعية الروحية للطائفة الدرزية—في الدعوة إلى "حق تقرير المصير" و"الإدارة الذاتية المحلية".
ويؤكد مراقبون أن الاقتصاد بات الورقة الأهم في معركة النفوذ داخل السويداء، فبينما تقدم الحكومة حلولاً ترقيعية لتسديد الرواتب، تسعى الفصائل إلى فرض حضورها عبر السيطرة على الموارد والخدمات.
اشتباكات يوليو.. الجرح المفتوح
الأزمة الحالية تأتي بعد اشتباكات دامية في يوليو الماضي بين مسلحين دروز وعشائر من البدو، أوقعت عشرات القتلى والجرحى، وأدت إلى تدخل أمني محدود لاحتواء الموقف.
ورغم الهدوء النسبي اليوم، إلا أن تلك المواجهات خلّفت تصدعات اجتماعية عميقة ما زالت تهدد أي مسار نحو الاستقرار، خصوصاً مع تدهور الأمن الغذائي وغياب رواتب العاملين الذين يعتمد معظمهم على دعم المنظمات الإنسانية.
السويداء.. نموذج الدولة المتآكلة
تكشف أزمة الرواتب في السويداء عن عمق التآكل في مؤسسات الدولة السورية خارج دمشق، حيث لم يعد الانقسام السياسي وحده هو التحدي، بل الانهيار المالي والإداري الذي يضرب القطاعات الحيوية.
وبينما تحاول الحكومة احتواء الأزمة بـ"التحويل الإلكتروني"، تبقى السويداء نموذجاً مصغراً للأزمة السورية الكبرى: سلطة ضعيفة، اقتصاد راكد، ومجتمع يتشبث بالبقاء في مواجهة الجوع والفوضى.