في خطوة تحمل بعدًا سياسيًا وإنسانيًا في آن، وجّهت فدوى البرغوثي، زوجة القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي، رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ناشدته فيها التدخل للإفراج عن زوجها.
وجاءت رسالتها بعد يوم واحد من تصريحات ترامب التي لمح فيها إلى احتمال دراسة ملف البرغوثي، ما فتح باب التكهنات حول احتمال إحياء المسار السياسي الفلسطيني من بوابة “الأسير الأبرز”.
مناشدة تتجاوز الشخصي إلى السياسي
قالت فدوى البرغوثي في رسالتها المنشورة بمجلة تايم: “سيدي الرئيس، هناك شريك حقيقي ينتظرك، شخص يمكنه المساعدة في تحقيق الحلم المشترك بالسلام العادل والدائم في المنطقة.”
وأضافت: “من أجل حرية الشعب الفلسطيني وسلام الأجيال القادمة، ساعد في إطلاق سراح مروان البرغوثي.”
رسالة تحمل في ظاهرها بعدًا إنسانيًا، لكنها في جوهرها تطرح البرغوثي مجددًا كمرشح شرعي لقيادة المشروع الوطني الفلسطيني في مرحلة ما بعد الحرب على غزة.
ترامب والاختبار الرمزي: هل يُفتح ملف البرغوثي؟
ردّ ترامب على سؤال في مقابلة مع تايم حول دعمه المحتمل لإطلاق سراح البرغوثي بالقول:
“لقد سُئلت عن هذا الأمر قبل 15 دقيقة... سأفكر في القرار.”
تصريح مقتضب، لكنه ترك صدى واسعًا في الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية، نظرًا لرمزية البرغوثي داخل الشارع الفلسطيني.
فالرجل، البالغ من العمر 66 عامًا، معتقل منذ عام 2002، ومحكوم بخمسة مؤبدات بتهم متعلقة بعمليات خلال الانتفاضة الثانية. ومع ذلك، ظلّ اسمه يتصدر استطلاعات الرأي الفلسطينية كرجل قادر على توحيد الفصائل وإعادة الشرعية للسلطة الفلسطينية.
البرغوثي بين أوسلو وغزة
كان البرغوثي أحد المشاركين البارزين في مفاوضات أوسلو، قبل أن يتحول لاحقًا إلى أحد رموز الانتفاضة الثانية، جامعًا بين إرث المقاومة ومشروع الدولة.
ومنذ عام 2024، ومع تصاعد الحديث عن “المرحلة السياسية لما بعد حرب غزة”، عاد اسمه ضمن قائمة الأسرى التي طالبت حماس بإدراجها في مفاوضات التبادل مع إسرائيل، غير أن تل أبيب رفضت ذلك بشكل قاطع.
ويرى مراقبون أن مجرد طرح اسم البرغوثي في اللحظة الراهنة، بالتوازي مع محاولات واشنطن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتشكيل حكومة انتقالية لغزة، ليس صدفة بل اختبار سياسي جديد للولايات المتحدة في مدى استعدادها للتعامل مع رموز “الشرعية الشعبية” لا البنية البيروقراطية القديمة.
البعد الإسرائيلي: “شريك خطير” أم تهديد رمزي؟
في إسرائيل، يُنظر إلى البرغوثي كـ"رمز سياسي خطير" أكثر منه سجينًا عاديًا.
فإطلاق سراحه قد يُربك المشهد الداخلي الفلسطيني، لكنه في الوقت نفسه قد يمنح واشنطن “ورقة استقرار” طالما غابت عن الطاولة منذ انهيار أوسلو.
مصادر إسرائيلية مقربة من اليمين تعتبر أن الإفراج عنه “سيعيد إنتاج القيادة الوطنية الفلسطينية على أسس جديدة”، ما قد يضع حكومة نتنياهو في مأزق أمام شركائها المتشددين.
واشنطن أمام معادلة “السلام مقابل الشرعية”
يرى محللون أن دعوة فدوى البرغوثي تضع إدارة ترامب أمام خيار مزدوج:
إما تبني رؤية “السلام من فوق” عبر ترتيبات أمنية واقتصادية فقط،
أو اختبار “السلام من الداخل” عبر إشراك رموز تحظى بشرعية ميدانية وشعبية حقيقية.
وإذا قررت واشنطن المضي في الاتجاه الثاني، فإن مروان البرغوثي سيكون أول اختبار حقيقي لمدى جدية المشروع الأميركي الجديد في غزة والضفة.
ما بعد الرسالة
بين سطور رسالة فدوى البرغوثي، لم يكن النداء موجهاً فقط لترامب، بل للرأي العام الدولي الذي يبحث عن شريك فلسطيني موحد في مرحلة ما بعد الحرب.
وإذا كانت الإدارة الأميركية تبحث فعلاً عن "زعيم يمكنه إنهاء دوامة الدم"، فإن اسم البرغوثي قد يعود ليطرح نفسه — لا كقضية أسير، بل كـ"خيار سياسي مؤجل" في سجل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.