في زيارة توصف بأنها الأكثر حساسية منذ وقف إطلاق النار في غزة، وصل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى إسرائيل لمتابعة تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في غزة، وتفقد مركز التنسيق العسكري–المدني الجديد جنوب إسرائيل.
تصريحات روبيو خلال الزيارة عكست توازناً دقيقاً بين التمسك بأمن إسرائيل والإصرار على المضي نحو مرحلة إعادة الإعمار، لكنها في الوقت نفسه فتحت الباب أمام خلافات جديدة تتعلق بـ"سلاح حماس" ومستقبل الحكم في القطاع.
مركز التنسيق الدولي وتدفق المساعدات
خلال جولته الميدانية، تأكد روبيو من بدء تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر المعابر الجنوبية بإشراف المركز الدولي للتنسيق العسكري–المدني (CMCC)، الذي تديره واشنطن بمشاركة عدد من الدول الأوروبية والعربية.
وأكد الوزير الأميركي أن "الهدف البعيد هو إعادة الإعمار"، مشيراً إلى أن نشر قوة الاستقرار الدولية في غزة يمثل أولوية فورية، لكن ذلك يتطلب تفويضاً من مجلس الأمن لضمان شرعيتها.
وأضاف أن القوة الدولية "لم تتشكل بعد"، وأن اختيار الدول المشاركة لا بد أن يتم بموافقة إسرائيل، في إشارة إلى استمرار تحفظات تل أبيب على بعض الأطراف الأوروبية والعربية الراغبة بالمشاركة.
ضمان الهدنة قبل الإعمار
روبيو شدد على أن صمود وقف إطلاق النار شرط أساسي للانتقال إلى مرحلة الإعمار، موضحاً أن أي خرق أو عودة للعمليات المسلحة "ستقوض كل ما تحقق حتى الآن".
وفي سياق متصل، تناول ملف الرهائن قائلاً إن الولايات المتحدة "لن تنسى الجثامين"، وإن واشنطن "تدفع بقوة لإعادة كل الرفات".
وأشار إلى أن حماس سلمت حتى الآن رفات 15 أسيراً إسرائيلياً، فيما لا تزال 13 جثة أخرى بانتظار التسليم في إطار المرحلة الأولى من اتفاق غزة.
حماس وسلاح المقاومة.. "الاختبار الحاسم"
في واحدة من أبرز تصريحاته، توقع روبيو من حركة حماس نزع سلاحها بالكامل، مشيراً إلى أن هذا البند "جزء أساسي من اتفاق غزة".
وأضاف: "إذا حاولت أي منظمة مهاجمة إسرائيل من غزة فستعود الحرب فوراً. لا يمكن أن يكون هناك سلام مع السلاح".
وأكد الوزير الأميركي أن رفض حماس لنزع السلاح يعد انتهاكاً صريحاً للاتفاق، مشدداً على أن الولايات المتحدة ملتزمة بضمان أمن إسرائيل ومنع أي تهديد ينطلق من القطاع.
كما جدد التأكيد على عدم وجود أي دور لحركة حماس في مستقبل غزة السياسي، في تكرار للرؤية الإسرائيلية التي تسعى إلى إقصاء الحركة عن المشهد بعد الحرب.
ملامح المرحلة الثانية من خطة ترامب
تأتي زيارة روبيو في سياق الإعداد للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب لغزة، والتي تنص على:
إعادة إعمار القطاع المدمّر بإشراف دولي مشترك.
سحب السلاح تدريجياً من الفصائل.
تشكيل حكومة فلسطينية انتقالية من التكنوقراط تعمل تحت إشراف لجنة دولية يتم التفاوض على شكلها حالياً.
وبحسب صحيفة يسرائيل هيوم، يجري النقاش حول الأسماء الفلسطينية المرشحة للحكومة المؤقتة، وسط تمسك إسرائيل بحق "الفيتو" على أي شخصية تعتبرها مقربة من حماس أو السلطة الفلسطينية.
موقف واشنطن من الضفة الغربية
في ملف موازٍ، تطرق روبيو إلى تصويت الكنيست بشأن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، معتبراً أن الخطوة كانت تهدف إلى إحراج نتنياهو سياسيًا.
وقال الوزير الأميركي بوضوح: "لا أعتقد أن إسرائيل ستضم الضفة الغربية، لأن ذلك سيشكل تهديدًا مباشرًا لاتفاق غزة".
تصريحه هذا يعكس رغبة واشنطن في منع تل أبيب من خلط المسارين — أي خلط التسويات في غزة بخطط الضم في الضفة — وهو موقف قد يثير خلافاً جديداً داخل الحكومة الإسرائيلية.
الأونروا والأمم المتحدة.. إعادة هيكلة المشهد الإنساني
روبيو انتقد بشدة دور وكالة الأونروا، قائلاً إنها "أصبحت فرعاً تابعاً لحماس"، وأكد أن الأمم المتحدة هي التي تتولى حالياً تنسيق المساعدات داخل القطاع عبر آليات جديدة مرتبطة بمركز CMCC.
ووصف ما تحقق خلال الأيام الماضية بأنه "تاريخي وغير مسبوق"، مؤكداً أن بلاده ستنفذ "كافة بنود اتفاق غزة" ضمن رؤية بعيدة المدى لخطة ترامب.
واشنطن تمسك بخيوط التسوية.. ونتنياهو في اختبار مزدوج
تعكس زيارة ماركو روبيو إلى إسرائيل مرحلة دقيقة من إعادة هندسة المشهد في غزة، حيث تحاول واشنطن تثبيت اتفاق هشّ وسط تباينات حادة بين الأطراف.
فالولايات المتحدة تسعى لتوازن بين:
إرضاء إسرائيل عبر ضمان أمنها.
إقناع الدول العربية بالمشاركة في إعادة الإعمار.
الحفاظ على الحد الأدنى من الحضور الفلسطيني المدني لتجنب اتهامات "الوصاية".
لكن بقاء الخطة رهينة لنزع سلاح حماس، ورفض إسرائيل إشراك السلطة الفلسطينية، يجعل المرحلة الثانية محفوفة بالمخاطر السياسية والأمنية.
أما زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المرتقبة إلى واشنطن في نوفمبر المقبل، فقد تشكل منعطفًا حاسمًا لتحديد ملامح ما إذا كانت خطة ترامب تسير نحو تسوية فعلية أم نحو تثبيت واقع جديد للاحتلال تحت غطاء دولي.