سفير لبناني جديد في دمشق.. رسالة توازن أم عودة إلى حضن سوريا؟

2025.10.24 - 12:09
Facebook Share
طباعة

في خطوة دبلوماسية تعكس محاولات بيروت لإعادة تنظيم علاقاتها الإقليمية وسط تصاعد الاستقطابات في المنطقة، أعلنت الحكومة اللبنانية عن تشكيلات جديدة شملت تعيين ثلاثة سفراء، أبرزهم هنري قسطون سفيرًا للبنان لدى سوريا، في وقت يأتي فيه القرار بعد أسابيع قليلة من تعليق أعمال المجلس الأعلى اللبناني السوري، وهو الإطار الرسمي الأهم الذي كان يرمز للتنسيق السياسي والأمني بين البلدين منذ تسعينيات القرن الماضي.

 

مؤشرات على إعادة تموضع دبلوماسي

تعيين قسطون سفيرًا في دمشق لا يمكن قراءته فقط كبند إداري ضمن التشكيلات الدبلوماسية، بل كإشارة إلى رغبة الدولة اللبنانية في الإبقاء على قنوات تواصل رسمية مباشرة مع النظام السوري، في مرحلة تزداد فيها تعقيدات المشهدين الإقليمي واللبناني.
فبيروت، التي ما زالت تعاني من شلل مؤسساتي واقتصادي مزمن، تجد نفسها مضطرة إلى موازنة علاقاتها بين المجتمع الدولي من جهة، ودمشق وحلفائها الإقليميين من جهة أخرى، خصوصًا مع استمرار تدفق اللاجئين السوريين وتنامي التوترات الأمنية على الحدود الشرقية.

 


هنري قسطون.. دبلوماسي هادئ بتجارب أفريقية

السفير الجديد هنري جان قسطون ليس وجهًا جديدًا في السلك الدبلوماسي اللبناني، إذ سبق أن شغل منصب سفير لبنان في ليبيريا، حيث ركز على تعزيز العلاقات الثنائية والاهتمام بالجالية اللبنانية الكبيرة هناك، كما تولى سابقًا مهام القائم بالأعمال في مالي.
وتوصف شخصيته داخل أروقة الخارجية اللبنانية بأنها “هادئة ودبلوماسية”، قادرة على إدارة الملفات الحساسة دون صدام سياسي، وهو ما قد يفسر اختياره لملف يتطلب توازنًا دقيقًا مثل العلاقات مع


من التعاون إلى الفتور ثم التعليق

منذ توقيع اتفاق الطائف (1989) الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، مثّل المجلس الأعلى اللبناني السوري الآلية الرئيسية للتنسيق بين البلدين، بإشراف مباشر من الأجهزة الأمنية في دمشق.
لكن مع انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005 عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، بدأ الدور السياسي للمجلس يتراجع تدريجيًا، وصولًا إلى تعليق أعماله رسميًا في أكتوبر 2025، في قرار عُدّ بمثابة طيّ لآخر صفحة من الإرث السياسي السوري في المؤسسات اللبنانية.

تعيين سفير جديد في دمشق بعد هذا التعليق يعيد التساؤلات حول ما إذا كانت بيروت تسعى إلى صيغة جديدة للعلاقة الثنائية، قائمة على الدبلوماسية التقليدية بدل الأطر “السيادية المشتركة” التي عفا عليها الزمن سياسيًا.

 


بين الرمزية والمصلحة

يرى مراقبون لبنانيون أن تعيين قسطون “رسالة مزدوجة”:

أولًا، لتأكيد استمرار العلاقات الدبلوماسية الرسمية رغم الخلافات حول ملف اللاجئين والعقوبات الغربية على دمشق.

وثانيًا، للإشارة إلى أن بيروت لا تريد قطع الجسور تمامًا مع سوريا، خصوصًا مع استمرار التعاون الأمني في ملفات الحدود وتهريب المحروقات والممنوعات.


بالمقابل، يعتقد بعض المعارضين أن الخطوة “شكلية” أكثر منها استراتيجية، نظرًا لغياب سياسة خارجية لبنانية موحدة، في ظل انقسام القوى السياسية بين محورين: أحدهما مؤيد للتطبيع مع دمشق، والآخر يربط أي انفتاح بـ"موافقة عربية ودولية".

 


تعيين هنري قسطون سفيرًا للبنان في دمشق قد يبدو خطوة إدارية، لكنه في عمق المشهد يعكس محاولة لإعادة ضبط الإيقاع اللبناني مع سوريا على قاعدة الندية الدبلوماسية لا التبعية السياسية.
وما إذا كانت هذه الخطوة مقدمة لتطبيع هادئ أو مجرد استمرار رمزي للعلاقات، فذلك سيتوقف على مدى قدرة بيروت على بناء سياسة خارجية متماسكة وسط الانقسام الداخلي والتجاذب الإقليمي الحاد.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 1