أردوغان يتحدّى الغرب: “آن أوان العقوبات على إسرائيل ووقف تسليحها”

أنقرة تعيد تموضعها في قلب الصراع

2025.10.24 - 12:02
Facebook Share
طباعة

في لحظة إقليمية تتسارع فيها التحولات حول ملف غزة، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات نارية قال فيها إن “الوقت قد حان لوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل وإخضاعها للعقوبات”، مؤكدًا أن بلاده لن تكتفي بالمواقف الخطابية بعد الآن.
وجاءت تصريحاته بينما كانت السفينة التركية السابعة عشرة "اللطف" تصل إلى ميناء العريش المصري محملة بالمساعدات الإنسانية لسكان غزة، في مشهد رمزي يعكس إصرار أنقرة على الجمع بين الدبلوماسية الإنسانية والضغط السياسي.

تحرك أردوغان لا يأتي بمعزل عن السياق، بل يمثل عودة تركية قوية إلى ساحة الشرق الأوسط في لحظة تشهد فيها العلاقات الأمريكية–الإسرائيلية تصدعًا واضحًا، وتسعى فيها أنقرة لملء الفراغ عبر خطاب "أخلاقي–تصعيدي" يستهدف إعادة بناء دورها كقوة حامية للقضية الفلسطينية.

 

من "الوسيط" إلى "الضاغط": أنقرة تغيّر المعادلة

على متن طائرته الرئاسية، وأثناء عودته من جولة خليجية شملت قطر والكويت، قال أردوغان بلهجة حازمة:

> “وقت الفعل لا الأقوال قد حان. يجب وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل وإخضاعها للعقوبات.”

 

هذه العبارة تمثل تحولًا جوهريًا في مقاربة تركيا للصراع، إذ كانت أنقرة — رغم انتقاداتها السابقة لإسرائيل — تحافظ على خيط من التواصل السياسي والاقتصادي معها، خصوصًا في مجالات الغاز والدفاع.
لكن تصاعد الغضب الشعبي في الداخل التركي، وتزايد الانتهاكات الإسرائيلية في غزة، دفعا أردوغان إلى تبنّي خطاب تصعيدي واضح يضعه في مواجهة مباشرة مع الغرب، وتحديدًا مع واشنطن التي تواصل تزويد إسرائيل بالسلاح رغم الانتقادات المتزايدة داخل الكونغرس الأمريكي نفسه.

 


أنقرة تُحرّك دبلوماسيتها الإنسانية: رسائل عبر ميناء العريش

في توقيت مدروس، تزامن خطاب أردوغان مع الإعلان عن وصول السفينة التركية "اللطف" إلى ميناء العريش محمّلة بآلاف الأطنان من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية، في إطار سلسلة متواصلة من 17 سفينة أرسلتها تركيا منذ بداية الأزمة.
هذه الخطوة تحمل أبعادًا أبعد من مجرد الإغاثة، فهي تمثل أداة نفوذ ناعمة تستخدمها أنقرة لإثبات حضورها الميداني في ملف غزة، ولإظهار قدرتها على العمل الميداني خارج إرادة واشنطن وتل أبيب.

ويرى مراقبون أن أردوغان يسعى من خلال هذا المسار إلى إعادة بناء الثقة مع الشارع العربي والإسلامي الذي خاب أمله سابقًا في مواقف أنقرة المتذبذبة، معتمدًا على تحالفات إقليمية جديدة مع دول الخليج لتقوية موقعه في التوازنات المقبلة حول غزة.

 


الرسالة إلى واشنطن: أنقرة لن تصمت بعد اليوم

في تصريحاته، دعا أردوغان المجتمع الدولي والولايات المتحدة تحديدًا إلى بذل جهود أكبر لضمان التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن “حماس تلتزم بالاتفاق بينما تواصل إسرائيل انتهاكاته.”
ويبدو أن الرئيس التركي أراد توجيه رسالة مزدوجة:

أولًا إلى واشنطن، التي يرى أنها فقدت الحياد وتحولت إلى مظلة سياسية لتجاوزات إسرائيل.

وثانيًا إلى العواصم الأوروبية، التي تتردد في اتخاذ موقف واضح خشية الاصطدام مع اللوبيات الداعمة لتل أبيب.


تصريحات أردوغان تندرج في سياق تصعيد منسق مع موجة الغضب العالمي المتصاعد ضد إسرائيل، خصوصًا بعد مجازر الأيام الأخيرة في غزة، لكنها أيضًا جزء من استراتيجية تركية أوسع لإعادة التموضع الإقليمي، في ظل تراجع الدور المصري والقطري النسبي في الوساطات السياسية.

 


أنقرة تراهن على “العدالة الأخلاقية” لكسب النفوذ

منذ بداية الحرب على غزة، يقدّم أردوغان نفسه كـ“صوت الضمير الإسلامي”، مستثمرًا في المشهد الإنساني لتوسيع نفوذ بلاده سياسيًا.
ويؤكد مقربون من الرئاسة التركية أن أردوغان يرى في هذه اللحظة فرصة لإعادة إحياء الدور التاريخي لتركيا في “حماية القدس”، وإعادة تصدير النموذج التركي كقوة قادرة على التوازن بين الدبلوماسية والردع الأخلاقي.

لكن هذا المسار محفوف بالتحديات: فالعقوبات التي يدعو إليها تحتاج إلى توافق دولي غير متوفر حاليًا، كما أن العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وتل أبيب، خصوصًا في مجال الطاقة، تجعل من تنفيذ هذا التهديد مسألة معقدة سياسيًا واقتصاديًا.


أردوغان بين الرمزية والمخاطرة

تحركات أردوغان الأخيرة تضعه في موقع متقدّم داخل المشهد الإقليمي، لكنها في الوقت ذاته تضع تركيا في مواجهة مباشرة مع الغرب وإسرائيل، وهو مسار محفوف بالمخاطر الدبلوماسية والاقتصادية.
ومع تصاعد التوتر بين واشنطن وتل أبيب، يبدو أن أنقرة تراهن على لحظة فراغ استراتيجية لإعادة فرض حضورها في معادلة غزة، مقدمةً نفسها كقوة “قادرة على الفعل حين يصمت الآخرون”.

لكن يبقى السؤال الأهم:
هل يملك أردوغان فعلاً القدرة على تحويل هذا التصعيد الخطابي إلى أداة ضغط فعالة توقف الحرب وتعيد تعريف موقع تركيا كلاعب إقليمي،
أم أن خطابه سيبقى — كما في مرات سابقة — صرخة رمزية في وجه نظام دولي ما زال يرفض محاسبة إسرائيل؟
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 4