شهدت جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة نقاشاً واسعاً حول المسار السوري، تخللته مواقف متقاربة في الدعوة إلى رفع العقوبات الدولية ودعم المرحلة الانتقالية، وسط تباين في الرؤى بين القوى الكبرى حول آليات التنفيذ والضمانات السياسية المطلوبة.
نائبة المبعوث الأممي إلى سوريا نجاة رشدي وصفت انتخابات مجلس الشعب بأنها جرت في "بيئة منظمة"، معتبرة ذلك خطوة على طريق تعزيز مؤسسات الدولة السورية بعد أكثر من عقد من الصراع، كما دعت إلى رفع العقوبات على نحو أوسع وأسرع لإعطاء العملية الانتقالية فرصة واقعية للنجاح، معتبرة أن الحصار الاقتصادي يضاعف من الأزمات الإنسانية التي يعيشها السوريون.
في المقابل، أبدى المندوب الأميركي مايك والتز انفتاحاً على مراجعة سياسة العقوبات، مشيراً إلى أن بلاده ترحّب بالتحسن في علاقات سوريا مع جيرانها، ومؤكداً استعداد واشنطن لدعم مسار الاستقرار عبر شراكة مشروطة تمنع عودة الإرهاب وتتيح عودة اللاجئين. الموقف الأميركي هذه المرة بدا مختلفاً، إذ لم يقتصر على الجانب الأمني، بل تضمّن إشادة نادرة بتعاون الحكومة السورية مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إلى جانب الترحيب بجهود السعودية وقطر والأردن وتركيا في دعم العملية السياسية.
أما روسيا، فجدّدت عبر مندوبها فاسيلي نيبينزيا موقفها الداعي لرفع فوري وشامل للعقوبات التي تعرقل إعادة الإعمار، مؤكدة أن الحل السوري يجب أن يبقى "سورياً خالصاً"، دون تدخلات أجنبية.
أشار إلى أن موسكو تخطط لتوسيع تعاونها مع دمشق في مجالات الطاقة والتعليم والصحة، بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة بعد سنوات الحرب.
الجزائر تبنّت موقفاً داعماً لدمشق، معتبرة أن الاستقرار السوري ركيزة لاستقرار الشرق الأوسط، وطالبت بإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية والانسحاب الكامل من الجولان المحتل، مؤكدة أن القانون الدولي يجرّم أي انتهاك للسيادة السورية. كما دعت إلى زيادة تمويل خطة الاستجابة الإنسانية التي لا تتجاوز حالياً 19% من احتياجاتها الفعلية.
فرنسا من جانبها ركّزت على أهمية دعم التحول السياسي بوصفه مؤشراً للأمل، داعية إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق دون عوائق، فيما شددت بريطانيا على ضرورة التعددية السياسية كضمانة لبناء دولة مستقرة.
أما بنما واليونان وسلوفينيا وكوريا والصين، فقد تقاطعت مواقفها عند التأكيد على احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، والدعوة إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ورفع العقوبات الاقتصادية التي تحدّ من جهود التعافي.
وتبرز من مجمل المداخلات مؤشرات على تحوّل تدريجي في الخطاب الدولي تجاه سوريا، إذ يميل عدد متزايد من الدول إلى التعامل الواقعي مع الحكومة السورية في ظل المتغيرات الإقليمية وعودة التواصل العربي – الغربي معها. غير أن هذا الانفتاح يظل مشروطاً بقدرة دمشق على مواصلة العملية السياسية وضمان المشاركة الوطنية الواسعة، في وقت تراهن فيه موسكو وطهران على أن رفع العقوبات سيعيد تثبيت أركان الدولة السورية، بينما تراهن واشنطن والعواصم الأوروبية على "انتقال تدريجي مراقَب" يفتح الباب أمام تسوية أوسع للملف السوري.
ومع استمرار الانقسام الدولي حول آليات الحل، يبقى المشهد السوري عند تقاطع حساس بين الاعتراف الواقعي بالنظام القائم وبين السعي لإحداث تحول سياسي متوازن، في معادلة تحاول الأمم المتحدة الحفاظ على خيوطها الدقيقة لتفادي عودة التصعيد العسكري، وإبقاء مسار التعافي مفتوحاً أمام شعب أنهكته الحرب والحصار منذ أكثر من 13 عاماً.