الضمان الاجتماعي اللبناني يفتح النار على الفساد الإداري من الداخل
في خطوة غير مألوفة من حيث الشفافية والمحاسبة الداخلية، أعلن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان كشف تلاعب بلوحات سيارات عمومية تورّط فيه سبعة أشخاص بمساعدة موظف من داخل الصندوق، استفادوا من تقديمات الضمان بطريقة غير قانونية.
القضية تكشف عن خلل في منظومة يفترض أنها الأكثر رقابة وانضباطاً، وتعيد ملف الشفافية في المؤسسات العامة اللبنانية إلى الواجهة.
إصلاح يبدأ من الداخل:
اللافت أن إدارة الضمان هي من بادرت إلى إعلان القضية للرأي العام، مؤكدة أن “الإصلاح يبدأ من البيت الداخلي”.
المدير العام محمد كركي أراد توصيل رسالة واضحة: الإدارة قادرة على محاسبة نفسها ولن تتهاون مع أي تلاعب بأموال المضمونين.
البيان في حد ذاته يعيد طرح قضية الثقة المفقودة بين المواطن والمؤسسات العامة، ويقدم نموذجاً لمحاولة استعادة هذه الثقة عبر الكشف الذاتي والعلني.
خلل رقابي واستغلال للثغرات:
التحقيقات أظهرت أن سبعة أشخاص سجّلوا لوحات عمومية بأسمائهم كملاك وسائقين، ثم أجّروها لآخرين للاستفادة من تقديمات الضمان دون وجه حق.
هذا التلاعب ما كان ليحدث لولا ضعف المتابعة الميدانية ونقص التنسيق بين الإدارات المعنية، إضافة إلى غياب نظام رقابي إلكتروني فعّال يحد من تسجيل المستفيدين الوهميين.
المحاسبة القضائية والجانب المالي:
الضمان اتخذ خطوة تصعيدية بتقديم شكوى أمام النيابة العامة المالية ضد المتورطين.
الإجراء يشير إلى توجه جديد نحو تحويل القضايا الإدارية إلى مسارات قانونية واضحة، بعد سنوات من التسويات الداخلية غير المعلنة.
القضية لها جانب مالي مهم، إذ أدت إلى حرمان الصندوق من اشتراكات قانونية، واستنزاف أموال المضمونين عبر استفادات غير شرعية.
رسالة إلى المؤسسات الأخرى:
بيان الضمان يمثل تجربة عملية في كشف الفساد الداخلي دون انتظار ضغوط خارجية.
الخطوة يمكن أن تفتح الباب أمام إدارات أخرى لاعتماد نفس النهج في المراقبة والإفصاح، خصوصاً في مؤسسات الدولة التي تعاني من ضعف الشفافية وتراجع الثقة العامة.
ما حدث في قضية اللوحات العمومية ليس مجرد تلاعب محدود، بل مؤشر على مشكلة رقابية متجذّرة في بنية الإدارة اللبنانية.
التحرك الحالي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه لن يكتمل ما لم تتحول هذه الإجراءات إلى نظام رقابة مستمر يربط المساءلة بالنتائج لا بالبيانات.
