في ظل استمرار التوترات على الحدود السورية الإسرائيلية، يخشى سكان محافظة القنيطرة من تكرار سيناريو الجولان المحتل، حيث تتواصل عمليات التجريف والهدم التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في القرى الجنوبية والشمالية من المحافظة. هذه التحركات أثارت مخاوف السكان المحليين من تهجير قسري محتمل، بعد أن فقد العديد منهم منازلهم وأراضيهم الزراعية، مع استمرار إزالة الغطاء النباتي الذي يمثل مصدر رزقهم الأساسي.
يقول أحد المزارعين إن الأرض التي كان يزرعها منذ سنوات خلت، بما فيها من أشجار مثمرة، قد جرفت بالكامل، واضطر للانتقال مع عائلته إلى مناطق أخرى داخل القرية. ويعبر عن قلقه من عمليات التجريف المستمرة بالقرب من المراقب الزراعي والمنطقة المحيطة بها، حيث تم هدم مئات الدونمات من الأراضي الزراعية والأحراش.
ويشير السكان إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يعتمد أسلوب المضايقات اليومية قبل تنفيذ أي تهجير، إذ تمنع القوات الأهالي من الاقتراب من بعض المحميات أو الأراضي الزراعية، مستخدمة إطلاق الرصاص التحذيري والقنابل الدخانية. هذه الأساليب تمهد الأرض أمام تنفيذ سياسات التهجير القسري، وهو ما يثير مخاوف كبيرة بين السكان المحليين.
التجريف المستمر للأراضي والأحراش في المحافظة لا يقتصر تأثيره على تهجير السكان، بل يشمل أيضًا التأثير البيئي. فقد جرفت قوات الاحتلال آلاف الدونمات من الغطاء النباتي، ما أدى إلى تقلص المساحات الخضراء التي تعتبر “رئة” المحافظة. وتشير التقديرات إلى أن هذا التجريف يمكن أن يؤدي إلى تغيرات مناخية مثل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض خصوبة التربة والتصحر، مما يزيد من هشاشة الزراعة ويهدد مصدر رزق السكان.
مع تواصل عمليات التجريف، تزداد المخاوف من مشاريع استيطانية جديدة، حيث تشير بعض التقارير إلى محاولات لمستوطنين لبناء مناطق سكنية في الجنوب السوري، مستفيدين من الانخفاض السكاني والتدمير المتعمد للبيئة الزراعية. هذه التحركات تزيد من شعور السكان المحليين بعدم الأمان وتضعهم أمام خيار صعب بين البقاء في ظروف معيشية صعبة أو الرحيل القسري.
ويشير خبراء إلى أن سياسات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة تعتمد على تدمير مصادر معيشة السكان وتغيير ديموغرافية المناطق المحتلة بذريعة الأمن القومي. ويتمثل الهدف في السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي وإجبار السكان على تركها، مع الحفاظ على وجود عسكري قوي يمكنه مراقبة الحدود والسيطرة على الموارد الطبيعية.
تؤكد المصادر المحلية أن عمليات الهدم والتجريف تترافق مع حملات تهديد مستمرة للسكان، سواء عبر الإخطارات المباشرة أو المضايقات اليومية التي تحول حياة الأهالي إلى كابوس مستمر. ويعبر الكثير من السكان عن استعدادهم للبقاء في منازلهم حتى لو تم هدمها، في محاولة للحفاظ على كرامتهم وممتلكاتهم.
وعلى الصعيد البيئي، تشير تقديرات مسؤولي الزراعة إلى أن إزالة الغطاء النباتي وتقليص المساحات الخضراء يهدد توازن النظام البيئي، مما يفاقم مشاكل التربة ويحد من إنتاج الغذاء المحلي. كما يساهم التجريف في تدهور البيئة الزراعية بشكل يجعل الزراعة غير قابلة للاستمرار، مما يفاقم مشاكل الفقر والهجرة في المحافظة.
في ضوء هذه التطورات، يرى الخبراء أن الحل الأمثل لمواجهة سياسة الاحتلال يجب أن يكون سياسيًا ودبلوماسيًا، مع استخدام أدوات الضغط القانونية في المحافل الدولية، بدلًا من المواجهة العسكرية المباشرة التي قد تؤدي إلى تصعيد أكبر. كما ينصح الخبراء بأن تكون هناك متابعة دقيقة لمشاريع التجريف والاستيطان لضمان حماية الحقوق السيادية والأراضي الزراعية والحفاظ على البيئة.
يبقى أهالي القنيطرة تحت ضغط مستمر، يواجهون تهديدًا يوميًا لفقدان أراضيهم ومنازلهم، مع تزايد المخاوف من تكرار تجربة الجولان المحتل، حيث التهجير القسري والتحكم في الموارد الطبيعية هما الأسلوب الرئيس للسيطرة على الأراضي. في هذه الأثناء، يواصل السكان مقاومتهم النفسية والاجتماعية، محافظين على جذورهم في الأرض رغم كل التحديات، معتمدين على الأمل في حماية حقوقهم وكرامتهم.