وثائق في مرمى التسريب اللبناني.. كيف حدث ذلك؟

2025.10.22 - 10:55
Facebook Share
طباعة

 أثارت حادثة تسريب صور جوازات سفر لوفد دبلوماسي سوري أثناء زيارته لبنان في منتصف سبتمبر الماضي موجة جدل واسعة، بعد أن كشفت التحقيقات عن تورط عناصر أمنية ضمن وحدة حماية السفارة السورية، الأمر الذي وضع الأمن الداخلي اللبناني أمام تحديات جديدة في حماية المعلومات الدبلوماسية الحساسة.


كيف بدأت الأزمة؟
وصل الوفد السوري إلى لبنان في 17 من أيلول، عبر معبر “المصنع” الحدودي، مكوّنًا من مسؤولين رفيعي المستوى بينهم محمد طه الأحمد، مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية السورية، ومحمد يعقوب العمر، مسؤول الإدارة القنصلية، ورئيس “الهيئة الوطنية للمفقودين”، محمد رضا جلخي. ورافقهم عناصر من وحدة أمن السفارات اللبنانية، إضافة إلى موظفين من السفارة السورية، لإتمام الإجراءات الروتينية.

مع ذلك، كشفت التحقيقات التي أجرتها مفرزة الاستقصاء المركزية في وحدة أمن السفارات عن قيام أحد عناصر مجموعة حماية ومواكبة السفارة السورية بتصوير جوازات السفر أثناء المعاملة الإدارية، بحجة تسريع إنجاز الإجراءات. ومن ثم، أرسل الصور إلى زميل له، قبل أن تصل لاحقًا إلى آمر مجموعته السابق، الذي نقلها بدوره إلى أحد المدنيين، لتنتشر في نهاية المطاف على مواقع التواصل الاجتماعي.


ردود الفعل والإجراءات
قوى الأمن الداخلي اللبناني أعلنت توقيف آمر المجموعة السابق، بينما أُفرج عن العناصر الآخرين والمدني المعني مقابل سندات إقامة، مع اتخاذ إجراءات مسلكية مشددة بحق المخالفين. وأكدت المديرية أن التحقيقات مستمرة لتحديد المسؤول عن التسريب الأولي، نافياً أي مسؤولية مباشرة للأمن اللبناني عن انتشار الوثائق.

تداولت صفحات ومواقع على الإنترنت صورة جواز سفر محمد الأحمد، مما أثار موجة استنكار واسعة بين ناشطين وشخصيات سياسية لبنانية، ودفع إلى مطالبات بمحاسبة المتورطين وتأمين حماية أفضل للوفود الدبلوماسية.


زيارات تبحث ملفات حساسة
الزيارة السورية إلى بيروت لم تكن روتينية، بل تركزت على بحث ملفات “عالقة” بين البلدين، أبرزها ملف المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية وترسيم الحدود المشتركة. حيث التقى الوفد نائب رئيس الوزراء اللبناني، طارق متري، وجرى الاتفاق على تشكيل لجنتين لتحديد مصير نحو ألفي سجين سوري محتجزين في لبنان، بالإضافة إلى بحث مصير المواطنين اللبنانيين المفقودين في سوريا منذ سنوات.

كما تناولت الاجتماعات التعاون في ضبط الحدود ومنع التهريب، وإدارة ملف اللاجئين السوريين وتهيئة الظروف لعودتهم الطوعية، بالإضافة إلى مراجعة وتحسين الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، بما يسهم في تعزيز التعاون والتبادل التجاري.


الزيارات اللاحقة وتطور الملفات
في 10 تشرين الأول، زار وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، لبنان، وعقد سلسلة لقاءات مع الرئيس اللبناني، ورئيس الوزراء، ووزير الخارجية، وناقش الملفات الحدودية، خطوط الغاز، وتفعيل الاتفاقيات الثنائية، إضافة إلى متابعة قضية المعتقلين السوريين في سجن “رومية”، معلنًا تحقيق تقدم ملحوظ في هذا الملف.

وفي 14 من الشهر ذاته، زار وفد برئاسة وزير العدل السوري، مظهر الويس، بيروت لمتابعة قضايا المعتقلين، مؤكدًا على ضرورة تحقيق العدالة وحماية حقوق وكرامة السجناء، وهو الملف الذي يكتسب أولوية خاصة في التعاون بين لبنان وسوريا.


أبعاد الحادثة وتأثيرها
تسريب الوثائق يسلط الضوء على تحديات حماية المعلومات الدبلوماسية في مناطق معقدة سياسياً وأمنياً، ويطرح أسئلة حول آليات الرقابة الداخلية والتنسيق بين الوحدات الأمنية اللبنانية والسورية أثناء التعامل مع الوفود الرسمية.

من الجانب السياسي، يضيف الحادث طبقة إضافية من التعقيد على العلاقات اللبنانية السورية، في وقت يسعى فيه الجانبان لتعزيز التعاون بشأن ملفات حساسة، بما في ذلك المعتقلين واللاجئين والمفقودين. كما يعكس تسريب الوثائق هشاشة بعض الإجراءات الأمنية ويبرز الحاجة إلى تعزيز البروتوكولات لحماية المعلومات الشخصية والدبلوماسية من الانكشاف على وسائل التواصل الاجتماعي.


تحديات الرقابة الرقمية
الحادثة تؤكد على الدور المتزايد للتقنيات الرقمية في عمليات التسريب، حيث يمكن للصور والملفات أن تنتقل بسرعة إلى الإنترنت، ما يضاعف آثار أي خلل أمني بسيط. وهو ما يدفع السلطات اللبنانية إلى إعادة تقييم الإجراءات المتبعة عند استقبال وفود دبلوماسية، خاصة تلك التي ترتبط بملفات حساسة على المستويين السياسي والأمني.

وفي ظل الجهود المشتركة لتسوية ملفات المعتقلين والمفقودين وتحسين التعاون الاقتصادي، يشكل التسريب اختبارًا لقدرة الأجهزة الأمنية اللبنانية على الحفاظ على السرية، وضمان عدم التأثير على العلاقات الثنائية أو تعطيل مسارات التعاون بين بيروت ودمشق.


خاتمة: نحو آليات أكثر صرامة
تسلط حادثة تسريب وثائق الوفد السوري الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز آليات الرقابة الداخلية في كل مراحل استقبال الوفود الدبلوماسية، بدءًا من المعابر الحدودية وصولًا إلى التعامل مع المستندات الحساسة. ويبدو أن تطوير بروتوكولات صارمة والتنسيق الوثيق بين السلطات اللبنانية والسورية يمثلان شرطًا أساسيًا لضمان حماية المعلومات، مع المحافظة على سير الزيارات الرسمية وتحقيق أهدافها السياسية والإنسانية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 8