دعت غرفة التجارة الأمريكية الكونجرس إلى إلغاء قانون “قيصر” بشكل كامل ودائم، معتبرة أن استمرار تطبيقه لم يعد يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، في ظل التحولات السياسية في سوريا واستعداد حكومة انتقالية لتولي إدارة شؤون البلاد.
وجاءت الدعوة في رسالة رسمية موجهة إلى رؤساء وأعضاء لجان الشؤون الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب، أكدت فيها الغرفة أن القانون الذي أُقر عام 2019 لحماية المدنيين ومحاسبة النظام السوري على الانتهاكات لم يعد يلبي الأهداف الأمريكية الحالية، خصوصًا بعد ظهور أدوات قانونية أخرى تسمح بفرض عقوبات على الأفراد أو الكيانات المسؤولة عن الانتهاكات، دون الحاجة للاستمرار في الحفاظ على “قيصر” نفسه.
الاستثمار الأمريكي في مرمى القوانين
أشارت الرسالة إلى أن القانون يشكل عقبة أمام الشركات الأمريكية الراغبة في الاستثمار داخل سوريا، بسبب عدم اليقين الذي يفرضه تجديد العقوبات نصف السنوي وإمكانية إعادة تفعيلها في أي وقت. وأضافت الغرفة أن هذا الغموض يضع الولايات المتحدة في موقع أضعف مقارنة بالدول الأخرى التي بدأت المشاركة في إعادة إعمار الاقتصاد السوري، مثل روسيا والصين وبعض الدول الأوروبية، ما يؤثر على المنافسة الاقتصادية الأمريكية ويحد من فرص الاستثمار طويل الأمد.
وأكدت الغرفة أن الشركات الأمريكية تحتاج إلى وضوح واستقرار تشريعي لتتمكن من العمل بفعالية، محذرة من أن استمرار الغموض بشأن مستقبل قانون “قيصر” يحد من قدرة واشنطن على الاستفادة من فرص إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا وتعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي في المنطقة.
خطوة الكونغرس: إلغاء جزئي أم كامل؟
على صعيد التشريع، أُعلن أن مجلس الشيوخ الأمريكي أقر رفع عقوبات قانون “قيصر” ضمن ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، حيث حصلت المادة على 77 صوتًا مؤيدًا مقابل 22 صوتًا معارضًا. لكن التعديلات شملت مجموعة شروط على الحكومة السورية الالتزام بها، وهي غير ملزمة، بحيث يمكن إعادة فرض العقوبات تلقائيًا إذا لم تُنفذ هذه الشروط خلال فترة محددة.
كما أتاح القانون الجديد للكونغرس مناقشة إعادة فرض العقوبات في حال عدم إحراز تقدم مستمر لمدة 12 شهرًا، مما يخلق آلية مراقبة مستمرة لكنها مرنة، تحافظ على بعض الضوابط دون تثبيط عملية الاستثمار أو التطورات السياسية في البلاد.
خلفية الرفع والتحولات الأخيرة
تأتي هذه الخطوة بعد زيارة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وفريقه إلى الولايات المتحدة، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، حيث التقى مسؤولي الإدارة الأمريكية وبحث خطوات تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي. كما لعبت الجالية السورية في الولايات المتحدة دورًا في الدفع باتجاه تمرير القانون، رغم محاولات بعض الأطراف المعارضة في الداخل والخارج للتأثير على القرار، بما في ذلك جماعات لها تأثير سياسي في الكونغرس، مثل بعض أعضاء لجنة العلاقات الخارجية.
انعكاسات الإلغاء على السياسة والاقتصاد
إلغاء قانون “قيصر” بشكل كامل سيؤدي إلى فتح المجال أمام الشركات الأمريكية للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، مع توفير بيئة قانونية أكثر وضوحًا وأمانًا للاستثمار. كما قد يعزز القرار العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والحكومة الانتقالية في سوريا، ويخلق فرصًا للتعاون الإقليمي في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والخدمات الأساسية.
من زاوية التحليل، يمثل القرار الأمريكي مزيجًا بين الاستراتيجي والسياسي، إذ يسعى للحفاظ على مصالح واشنطن الاقتصادية مع السماح بحوار سياسي مع دمشق، مع الحفاظ على إمكانية مراقبة الالتزامات السورية في المستقبل. ويمكن أن يفتح القرار الباب أمام تغييرات واسعة في الديناميات الإقليمية، خصوصًا في مجال النفوذ الاقتصادي والسياسي الأمريكي في الشرق الأوسط.