شهدت الخريطة الاقتصادية السورية تحولات كبيرة خلال العام الحالي، إذ باتت دمشق وريفها تسيطران على الحصة الأكبر من الشركات المرخصة، بينما تراجع الدور الاقتصادي لحلب بشكل لافت، وقد انعكس هذا التغير في التوزيع الجغرافي للاستثمارات ومذكرات التفاهم الموقعة مع الشركات الأجنبية، التي تمركزت معظمها في العاصمة ومحيطها، متجهة نحو النشاط التجاري والخدماتي على حساب الصناعة المحلية.
البيانات الرسمية:
بلغ عدد الشركات المسجلة منذ بداية العام حتى نهاية أيلول/سبتمبر نحو 11172 شركة، بينها أكثر من 8690 شركة فردية و1040 شركة أشخاص و1435 شركة أموال وأظهرت البيانات أن أكثر من 80% من الشركات المحدودة المسؤولية تتركز في دمشق وريفها، في حين لا تتجاوز نسبة الشركات الجديدة في حلب 8% فقط.
تراجع الدور الصناعي لحلب:
تراجعت حلب بشكل ملحوظ، إذ سجلت المدينة نحو 9 شركات جديدة من أصل 97 شركة تأسست على مستوى سوريا خلال الأشهر الأولى من العام. ويعزى هذا التراجع إلى الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الصناعية، وهجرة الكفاءات والخبرات، بالإضافة إلى ضعف التمويل وغياب خطط إعادة الإعمار الصناعي، ما جعل المدينة تفقد جزءاً كبيراً من تأثيرها الاقتصادي التقليدي.
تركيز الاستثمارات في دمشق وريفها:
تشير المعطيات إلى أن دمشق وريفها أصبحت المركز الاقتصادي الفعلي، ليس فقط من حيث الشركات المسجلة، وانما أيضاً حجم الاستثمارات ومذكرات التفاهم. معظم الاستثمارات الجديدة، بما فيها مشاريع البنية التحتية والتطوير العمراني، تتجه إلى العاصمة ومحيطها، بسبب مركزيتها الإدارية والاستقرار النسبي وتوافر البنية التحتية والخدمات، بالإضافة إلى طبيعة الاقتصاد الحالي الذي يعتمد بنسبة كبيرة على التجارة والخدمات.
التحديات الصناعية:
رغم تراجع حلب، فإن المدينة تبقى ذات أهمية صناعية كبيرة، لكنها تواجه تحديات أبرزها تهالك البنية التحتية، ضعف التشريعات الاقتصادية، صعوبات في تحقيق معايير الجودة العالمية، وغياب تمويل كافٍ لإعادة تشغيل المنشآت المتضررة.
يضاف إلى ذلك المنافسة الشديدة من السلع المستوردة منخفضة التكلفة، التي تؤثر على قدرة الصناعات المحلية على الصمود.
تداعيات التركز الاقتصادي:
أدى تركيز النشاط الاقتصادي في دمشق إلى خلق اختلال واضح في التنمية وتوزيع الثروات، وزيادة الفوارق الاجتماعية والضغط على الخدمات في العاصمة، بينما تبقى المدن الأخرى، مثل حلب وحمص، هامشية من حيث الفرص الاقتصادية. كما أن اعتماد الاقتصاد على التجارة والاستيراد بدلاً من الإنتاج المحلي يقلل من النمو الشامل ويزيد من التبعية الخارجية، ويضعف القدرة التنافسية للصناعة السورية.
السيناريوهات المستقبلية:
يبقى مستقبل حلب الصناعي مرتبطاً بإجراءات دعم عاجلة وتهيئة بيئة مناسبة للاستثمارات الصناعية، مع تطوير التشريعات وتسهيل التمويل المحلي كما يعتمد التعافي على قدرة الصناعات على المنافسة أمام السلع المستوردة والتكيف مع التغيرات في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك التحولات الناتجة عن الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي.