أعاد تقرير البنك الدولي الأخير تسليط الضوء على حجم الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب في سوريا، مقدّرًا تكلفة إعادة الإعمار بنحو 216 مليار دولار أمريكي بعد أكثر من ثلاثة عشر عامًا من الصراع، الرقم يعادل عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لسوريا في عام 2024، ما يعكس حجم الانهيار الذي أصاب الاقتصاد الوطني والبنية التحتية.
ويشير التقرير إلى أن الصراع دمّر نحو ثلث رأس المال الإجمالي للبلاد، بينما بلغت الأضرار المادية المباشرة 108 مليارات دولار، توزعت بين البنية التحتية والمباني السكنية وغير السكنية. واحتلت محافظات حلب وريف دمشق وحمص المراتب الأولى في حجم الدمار، ما يجعلها الأكثر احتياجًا للاستثمارات المستقبلية في مشاريع الإعمار.
البنية التحتية محور الخسائر الكبرى:
أظهرت الأرقام أن البنية التحتية كانت القطاع الأكثر تضررًا بنسبة 48% من إجمالي الأضرار، أي ما يعادل 52 مليار دولار، تلتها المباني السكنية بنحو 33 مليار دولار، ثم المباني غير السكنية بـ23 مليار دولار، التحدي في سوريا لا يقتصر على إعادة بناء المنازل، بل يمتد إلى إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والطرق والمرافق العامة التي تمثل أساس أي نهضة اقتصادية مقبلة.
الاقتصاد في حالة شلل:
تُظهر المؤشرات الاقتصادية التي أوردها البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لسوريا تراجع بنحو 53% بين عامي 2010 و2022، ما يجعل أي خطة لإعادة الإعمار مرتبطة حتميًا بدعم خارجي واسع.
فإعادة بناء الأصول المتضررة وحدها تحتاج إلى تمويل يتراوح بين 140 و345 مليار دولار، وهو رقم يستحيل تغطيته من الموارد المحلية. كما أن ضعف القدرة الشرائية وغياب الاستقرار المالي سيؤخران أي عملية تعافٍ ذاتية.
عقبات سياسية قبل الإعمار:
رغم أن البنك الدولي أعرب عن استعداده للعمل إلى جانب الشعب السوري، فإن الانقسام السياسي الداخلي والعقوبات الغربية المفروضة على دمشق يمثلان العقبتين الأبرز أمام أي تحرك دولي فعّال.
فمن دون تسوية سياسية شاملة تضمن بيئة آمنة للاستثمار، يصعب تصور انخراط المؤسسات المالية الكبرى في تمويل مشاريع إعمار ضخمة.
ويضاف إلى ذلك غياب رؤية موحدة داخل الدولة السورية بشأن أولويات إعادة الإعمار، بين من يفضل إعادة تأهيل المناطق المنتجة اقتصاديًا أولاً، ومن يرى ضرورة إعطاء الأولوية للمناطق الأكثر تضررًا إنسانيًا.
السيناريوهات المحتملة للدعم الدولي:
يرى مراقبون أن روسيا وإيران، قد تتصدران المراحل الأولى من الإعمار عبر مشاريع استثمارية محدودة، تليها مشاركة محتملة من الصين في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
أما الدول العربية التي بدأت مسار الانفتاح على دمشق منذ عام 2023، فقد تلعب دورًا تدريجيًا في تمويل مشاريع بنية تحتية وخدمية، خصوصًا إذا أُعيد دمج سوريا بالكامل في المنظومة الاقتصادية العربية.
وفي المقابل، يبقى الموقف الغربي مشروطًا بالإصلاح السياسي وبضمان بيئة شفافة تمنع إعادة إنتاج الفساد والمحسوبيات التي سادت خلال العقود الماضية.
ما وراء الأرقام: معركة طويلة نحو التعافي
تكشف تقديرات البنك الدولي أن عملية إعادة الإعمار في سوريا ليست مجرد تحدٍ مالي، وانما معركة طويلة الأمد لإعادة بناء الدولة والمجتمع فالمسألة تتجاوز إعادة بناء الحجر إلى إعادة الثقة، وإعادة تشغيل المؤسسات، وتثبيت الاستقرار السياسي والاجتماعي.
ورغم ضخامة الأرقام، فإن التقرير يمثل تذكيرًا بأن التعافي ممكن إذا توفرت إرادة داخلية وتفاهمات إقليمية ودولية تضع مصلحة السوريين فوق الحسابات السياسية الضيقة.