تعاني منطقة القرن الإفريقي منذ أعوام تصاعداً في التوترات بين مصر وإثيوبيا على خلفية مشروع "سد النهضة" العملاق، الذي تعتبره القاهرة تهديداً مباشراً لأمنها المائي، بينما تراه أديس أبابا ركيزةً للتنمية والسيادة الوطنية.
وفي خضم هذه الأزمة الإقليمية، دخلت إسرائيل على خط الاهتمام من زاوية مختلفة، إذ ترى في إثيوبيا بوابة استراتيجية نحو إفريقيا وممراً حيوياً للتأثير في الأمن المائي والبحري للمنطقة.
إثيوبيا.. الشريك الإفريقي الأهم لتل أبيب
وفق تقرير نشره موقع "Bizportal" الإسرائيلي، فإن العلاقات بين إسرائيل وإثيوبيا شهدت خلال السنوات الأخيرة تطوراً لافتاً، ما جعل أديس أبابا تُصنّف كـ"الشريك الاستراتيجي الأبرز" لإسرائيل في القارة الإفريقية.
ويشير التقرير إلى أن التعاون بين البلدين استمر حتى في فترات القطيعة الدبلوماسية، لا سيما بين عامي 1973 و1989، حيث تركزت العلاقات على المجالات الأمنية والعسكرية، قبل أن تُستأنف رسمياً مع نهاية الثمانينيات.
سد النهضة.. مشروع تنمية أم ورقة ضغط؟
يشكّل سد النهضة، الذي دُشّن رسمياً في سبتمبر 2024، أحد أكبر المشاريع المائية في إفريقيا بطاقة إنتاج كهربائية تصل إلى أكثر من 5,000 ميغاواط وترى إثيوبيا في السد رمزاً للسيادة الوطنية ومصدراً للطاقة والتنمية المستدامة.
في المقابل، تخشى القاهرة من أن يؤدي السد إلى تقليص حصتها من مياه النيل، وتطالب باتفاق قانوني ملزم يضمن التدفق المائي خلال فترات الجفاف.
أما المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان، فما تزال تراوح مكانها رغم الوساطات الدولية المتكررة، في ظل تبادل الاتهامات بين الأطراف بعدم الجدية.
النفوذ الإسرائيلي بين النيل والبحر الأحمر:
يبرز التقرير أن لإسرائيل مصالح متعددة في الحفاظ على شراكة متينة مع إثيوبيا، أبرزها موقعها الجغرافي القريب من باب المندب والبحر الأحمر، ما يمنحها بعداً استراتيجياً في تأمين الملاحة البحرية ومراقبة خطوط التجارة العالمية.
كما تتيح هذه العلاقة لإسرائيل موطئ قدم مؤثر في القارة الإفريقية، يساعدها في مواجهة النفوذ الإيراني ومتابعة التحولات في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي.
تعاون أمني متجذر:
تاريخياً، قدّمت تل أبيب مساعدات عسكرية لإثيوبيا منذ ستينيات القرن الماضي، وواصلت دعمها حتى بعد قطع العلاقات في 1973 ويشير التقرير إلى أن التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين لا يزال قائماً حتى اليوم، من خلال تدريب وحدات خاصة وتبادل الخبرات في مجالات مكافحة الإرهاب والتقنيات الدفاعية.
ويُتوقع أن يتعمق هذا التعاون أكثر بعد انتهاء الحرب في غزة، إذ تسعى تل أبيب لاستعادة حضورها السياسي في إفريقيا وتوسيع شراكاتها الأمنية بعيداً عن الضغط الأمريكي.
الجانب الاقتصادي والزراعي:
على الرغم من الطابع الأمني للعلاقة، إلا أن التعاون الاقتصادي بين البلدين آخذ في الاتساع، لا سيما في مجالات الزراعة والري ونقل التكنولوجيا. فإسرائيل تصدّر لإثيوبيا الأسمدة والمعدات الزراعية، فيما تستورد منها منتجات زراعية مثل القهوة والبهارات.
ويُشير التقرير إلى أن حجم التبادل التجاري في عام 2024 تجاوز 60 مليون دولار، وسط توقعات بزيادة الاستثمارات الإسرائيلية في قطاعات التعدين والطاقة النظيفة.
البعد المصري.. الانشغال والقلق
يرى التقرير العبري أن انشغال مصر بالأزمة الإثيوبية قد يصبّ في مصلحة إسرائيل استراتيجياً، إذ يخفّف من أي تهديد محتمل على حدودها الجنوبية.
ومع ذلك، يُحذّر من أن تدهور الأوضاع المائية في مصر قد يفضي إلى أزمة إنسانية حقيقية في المنطقة إذا لم تُعالج النزاعات المائية بطرق تعاونية.
أزمات المياه.. صراعات الغد في الشرق الأوسط
يرى مراقبون أن التغير المناخي والتزايد السكاني يجعلان من أزمة المياه في الشرق الأوسط تحدياً وجودياً يهدد الأمن الإقليمي، في ظل استمرار إسرائيل في توظيف موارد المياه كأداة نفوذ سياسي، وتوسيع سيطرتها على مصادر المياه في الأراضي المحتلة بذريعة الإدارة الحديثة للموارد. بالإضافة إلى أن النهج الأحادي الذي تتبعه إثيوبيا في إدارة ملف سد النهضة يفاقم المخاوف من اندلاع أزمات مائية في حوض النيل، نتيجة غياب التنسيق والالتزام بالاتفاقات الدولية.
ويخلص المراقبون استمرار سياسات فرض الأمر الواقع من جانب بعض الدول قد يحول المياه من عنصر حياة وتعاون إلى محور صراع مفتوح يهدد استقرار المنطقة بأكملها.